حقوق العمال بحماية القانون الدولي 

حقوق العمال بحماية القانون الدولي 

حقوق العمال هي مجموعة من الحقوق القانونية الناجمة عن العلاقة العقدية بين العمال وأصحاب العمل .  و تتعلق تلك الحقوق في معظمها بأجور العمال ، و الحوافز، وظروف العمل الآمنة  وتحديد عدد ساعات العمل.  ومحاربة عمل الأطفال. الحق في المعاملة بدون تمييز، من حيث الجنس أو الأصل أو الشكل ،أو الدين، الهوية الجنسية  . و الحق بإنشاء النقابات .
و منذ أمد بعيد يحاول المجتمع الدولي التصدي  لمسألة تقنين المشاكل المرتبطة بقطاعات العمال , لجهة  تنظيمهم و محاولة حمايتهم من الانتهاكات و المظلومية التي تلحق بهم على كل المستويات ,و للكثير من المسائل و القضايا .
ومع أن  حقوق العمال باعتبارها جزءاً من تراث حقوق الانسان المعروف أنها  لا تتم حمايتها بصورة بفعالة فى القانون الدولي , انما لا ننكر ان   القانون الدولي  بلغ مرحلة تطور كبير و حقق نتائج  مشجعة. فقد بلغ عدد المعاهدات  ما يقرب مئتي معاهدة تطال كل الجوانب التي تحفظ حقوق هذه الطبقة المهمشة .
دور منظمة العمل الدولية في حماية العمال :
حين وضعت  الحرب العالمية الأولى  أوزارها  و وضعت معاهدة فيرساي للسلام سنة 1919  نصت هذه المعاهدة على تأسيس منظمة العمل الدولية ومن مهامها اقتراح و صياغة مشاريع المعاهدات الدولية  لحماية حقوق العمال و اصدار التوصيات.
و الى اليوم  تنشط  هذه المنظمة في إغناء التراث القانوني و التنظيمي  المتعلق بحماية العمال من خلال ذلك .
فهي تصدر التوصيات و توجهها للدول الاعضاء تحثّها  للاهتمام بحماية حقوق العمال.  وتصدر هذه التوصيات عادة فى مؤتمراتها السنوية  .ضمن عناوين كثيرة منها : الحماية الفعالة لحقوق العمال، وحرية التنظيم، وحق التفاوض الجماعي،  و حظر  العمل القسري، حظر  و منع عمل الاطفال و كذلك حظر  التميز فى مجال العمل و قضايا الاجور و الضمان .
كما تقوم المنظمة  بإعداد مشاريع المعاهدات الدولية العمالية  , ثم تدعو الدول الاعضاء للتوقيع  عليها. 
- لا يمكننا أن نصدق أن عدد هذه المعاهدات قد بلغ اليوم  188 معاهدة دولية تطال معظم قضايا العمل من الأجور الى الضمان و الحق بالإإجازات و تكريس المساواة و حظر عمل الاطفال اضافة الى معاهدات و مواد  ترتبط بحقوق المرأة العاملة ( الجندرة ). وينظر رجال القانون  الى هذا العدد الكبير من الاتفاقيات العمالية من زاويتين مختلفتين:
آ - الفريق الأول ينتقد هذا الطوفان من المعاهدات المتلاحقة  مما يزيد المسألة العمالية  تعقيدا . و ربما كانت غزارة الاتفاقيات العمالية  توحي بوجود الخروقات الكثيرة لحقوق العمال مما يدفعها لإعداد المزيد من مشاريع المعاهدات الدولية العمالية المتلاحقة , خلافا للقطاعات المهنية الأخرى كالأطباء و المعلمين .و المحامين ...
ب – الفريق الثاني ينظر لهذا الأمر بإيجابية : باعتباره دليل اهتمام و متابعة حثيثة لقضايا العمال و الانتهاكات التي تطالهم.. 
و رغم ذلك تتعالى و لا تهدأ الأصوات التي تشكك بفعالية القانون الدولي نظرا لعجزه عن  وقف الانتهاكات المتفاقمة لحقوق العمال .
يقول الدكتور كمال سيد قادر: 
(( ان مشكلة فعالية القانون الدولي هي مشكلة عامة و ليست محصورة بحقوق العمال باعتبارهم طبقة مهمّشة يصعب عليها الدفاع عن حقوقها. و يعود سبب العجز الى ضعف الآليات المستخدمة لحماية حقوق العمال، فالاتفاقيات الدولية و التوصيات تفتقر الى آلية تنفيذية فعالة كمحكمة خاصة بها , تصدر قرارات ملزمة لدول الاعضاء يستطيع العمال اللجوء اليها فى حالة خرق حقوقهم . لهذا  فالاتفاقيات و التوصيات الموجودة فى اطار منظمة العمل الدولية يمكن اعتبارها من ضمن ما يعرف بالقانون الناعم أي القانون غير الملزم ماديا بل اخلاقيا لضعف آلية مراقبة تنفيذه.))
و من أهم المعاهدات العمالية: 
1 - اتفاقية الحد من العمل الإجباري لسنة 1930.
2-اتفاقية حق المفاوضة الجماعية و حق التنظيم لسنة 1949. 
3. اتفاقية حظر العمل الاجبارى لسنة 1957 .
4. اتفاقية حظر التميز فى مجال العمل لسنة 1958.
5. اتفاقية حق الاجور المتساوية لسنة 1965 .
6. اتفاقية الحد الادنى للاجور لسنة 1966
7 - -    اتفاقية تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة للعمال من الجنسين الاتفاقية رقم 156 لعام /1983
8 - اتفاقية بشأن السلامة والصحة المهنيتين وبيئة العمل الاتفاقية رقم 155 لمنظمة العمل الدولية  لعام 1983
9 -    الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين و أفراد أسرهم لعام 1990
و مع كل ما يقال فان منظمة العمل الدولية تتصدى لمسؤوليتها بشكل مميز  لجهة رفع الوعى بالحقوق العمالية لدى كافة الاطراف و و ضع استراتيجية بعيدة المدى لحمايتها و يبقى  على الدول ان تتبنى هذه المبادئ  و تلتزم بإدراجها  بقوانين العمل الوطنية لديها . 
أخيرا  لعلّ من الإنصاف  الاشارة الى جهود العديد من المنظمات الدولية و الاقليمية و التي تقوم بدرجات متفاوتة من الفعالية بهذا الدور.  كالأمم المتحدة و جامعة الدول العربية و المجلس الأوربي و منظمة الدول الامريكية و منظمة الوحدة الافريقية بمحاولة حماية العمال و منع استغلالهم. 
يقول الدكتور كمال سيد قادر   : 
(( إن آلية حماية حقوق العمال على المستويين الدولي و الإقليمي هي آلية ضعيفة للغاية  .. و الطريق لا يزال طويلا امام المجتمع الدولي و منظمات المجتمع المدني لوضع آلية فعالة لحماية حقوق العمال الذين يمكن مقارنة وضعهم فى بعض الدول بوضع العبيد.
لذلك فان الوضع الحالي لحماية حقوق الانسان فى القانون الدولى هو وضع يبعث الى التشاؤم و يكشف عن حقيقة بان العمال لا يزال عليهم الاعتماد على انفسهم لحماية حقوقهم ))
من خلال هذا الاستعراض السريع لتجربة المجتمع الدولي في محاولة إنصاف العمال نجد أنها محاولات متواضعة لم تستطع وقف التغول المرعب من كافة الجهات التي ما زالت تنتهك أبسط حقوق العمال , مما يؤكد أن ثمة رصيدا كبيرا من العمل المؤجّل ,يتطلب جهودا فائقة و مشوارا من المعاناة  تنتظر همّة المؤمنين بالقضايا العمالية و أهميتها  .
****************************************
المحامي أحمد صوّان /من تجمع المحامين السوريين الأحرار
10/10/2016