بين الواقع والحلم كيف يعيش السوريون في السويد

بين الواقع والحلم كيف يعيش السوريون في السويد

تختلف آراء اللاجئين السوريين الواصلين إلى السويد في ظل الحرب السورية الحالية. فترى بعضهم سعيداً مستبشراً ينظر إلى الصعوبات نظرة إيجابية، وترى آخر مقطباً عابساً متحسّراً على رحلة الموت التي انتهت به إلى السويد وعلى المبالغ الطائلة التي دفعها ثمناً لوصوله متسائلاً "هل تستحق السويد كل هذا العناء؟
هذا الشعور الذي ينتاب نسبة كبيرة من اللاجئين يعود لكيف كانت صورة السويد في أذهانهم قبل وصولهم إليها.
يقول رامي عمرو لـ"السورية نت" وهو أحد الواصلين إلى السويد قبل أشهر: "لقد كانت صورة السويد تكاد تكون أسطورية عند كثير من السوريين، فالسويد هو ذلك البلد الذي ستنقلب فيه حياتك رأساً على عقب، وستنتهي مشاكلك المادية فور وصولك إليها، وستنعم بحياة ملكية كالتي كنت تقرأ عنها في روايات القرن الثامن عشر. وستجد العمل ينتظرك بمدخولات فلكية وستكون في جنة عدن ولكن قبل الموت". 
ويتابع عمرو: "هذه الصورة المبالغ فيها ليست واقعية فالسويد هو بلد أوروبي أفضل من غيره نسبياً تعتمد سعادتك وتعاستك فيه عليك أنت شخصياً. فمن كان فاشلاً في بلده سوف يفشل هنا في أغلب الأحيان ومن كان ناجحاً في بلده لن يبذل مجهوداً كبيراً هنا حتى يضع قدمه على بداية طريق النجاح".
خطورة الطريق
وعندما يقرر السوري القدوم إلى السويد فإنه ربّما لا يعلم تماماً صعوبة وخطورة الطريق. إن غالبية السوريين الذين وصلوا إلى السويد هرباً من الحرب المستعرة في بلادهم عبروا البحار بقوارب الموت من مصر وليبيا وتركيا. وقوارب لابد لك قبل ركوبها أن تقبل المقامرة بحياتك كلها دفعة واحدة واحتمال الربح مساوٍ تماماً لاحتمال الخسارة.
ويشرح عبد الله لـ"السورية نت" وهو شاب سوري ركب البحر ليصل للسويد: أنه "بعد عبور كثير من الراغبين بالهجرة من الجزائر إلى ليبيا براً في رحلة صحراوية لا تقل خطورتها عن خطورة ركوب البحار، إذ يتعرض خلالها آلاف السوريين إلى النشل من قطاع الطرق ليصلوا بعد ذلك إلى ليبيا وقد أنهكهم التعب ليجدوا أنفسهم محشورين في مستودعات صغيرة أو كراجات سيارات في ظروف أقل ما توصف بأنها غير إنسانية، منتظرين موعد الانطلاق. ثم يخبرهم المهرب بالموعد قبل ساعات على الأغلب. فينطلقون ليلاً بالمئات إلى ما يسمى النقطة وهي نقطة إنطلاق القارب، رجالاً ونساءً وأطفالاً وحتى شيوخاً ليجدوا بانتظارهم قوارب متهالكة أكل عليها الدهر وشرب ورماها أصحابها يائسين من جدواها. فاشتراها المهرب بثمن بخس لينقل بها المهاجرين".
ويبيّن عبد الله أنه "إن كنت من المحظوظين فستحصل على سترة نجاة وإن لم تكن فليس لك إلا أن تركب مرغماً تحت وابل من صراخ المهرب، قارب الموت هذا مستذكراً في أقل من لحظة مشاهد الموت والدمار في بلادك وحياة الأبهة الملكية التي تنتظرك خلف البحار".
ويقول عبد الله بأسى إنه "لا نستطيع التكلم هنا عن تفاصيل الرحلة في البحر لأن كل مفردات العالم لا تكفي لوصف صرخة طفل يرتجف في القارب من البرد. هي رحلة لا تنسى لا في الحياة ولا بعد الممات".
بعد الوصول
ويصف سعيد اللاجئ السوري الذي حصل على الإقامة ومازال ينتظر فرصة العمل لـ"السورية نت" كيف يعامل اللاجئ عند وصوله إلى السويد، الذي وصل إليها منتشياً بانتصاره وتحقيقه لهدف كان يراه يوماً حلماً بعيد المنال. منتظراً أن يجد كل ما كان يحلم به عن السويد منذ الطفولة. وهنا "يرى نفسه في طريقه إلى الكامب وفي جيبه ورقة سجل فيها موعد المقابلة بعد ستة أشهر. ستة أشهر سيقى فيها بمساكن اللاجئين في أحد القرى النائية معزولاً لا يفعل شيئاً سوى الأكل والنوم مستعرضاً، في نشاط عقلي ربما سيتعرف عليه للمرة الأولى في حياته كل ما مرّ به منذ ولادته وحتى هذه اللحظة".
ويضيف "وهنا يبدأ بالتعرف على واقع الحال عندما يجد من سبقه يعاني من أزمة العمل وأزمة السكن والشعور بالفراغ في بلاد خالية من البشر مساحتها تعادل ثلاثة أضعاف مساحة سورية يقطنها فقط تسعة ملايين. وسيجد نفسه مكبلاً عاجزاً عن الحركة في مجتمع جديد مختلف كلياً عن المجتمعات العربية ويبدأ الشعور بمشكلة الإندماج في المجتمع السويدي وصوت قوي لا يزال يرن في رأسه هل تستحق السويد كل هذه الرحلة؟"
ويشير رامي عمرو إلى "ذلك الضغط النفسي الرهيب الذي يعانيه اللاجئ جراء قلقه على أهله المتواجدين في سورية والمعرضين إلى خطر الموت في كل لحظة وحالة الدمار التي تعيشها البلاد، وكل ذلك دون أن يستطيع فعل أي شيء".
كل الأسباب السابقة مجتمعة تؤدي إلى حالة من اليأس واللافاعلية تصيب اللاجئ وتظهر نتائجها على شكل إحساس بالخمول والكسل وعدم القدرة على التفكير إلا بشكل سلبي.
ويؤكد عمرو لـ"السورية نت" "الصورة في السويد ليست بهذه الدرجة من السوداوية لكن الوضع النفسي العام الذي يصل فيه السوري إلى تلك البلاد والضغوط التي تعرض لها، بالإضافة إلى الخوف على الأهل والأحباب، تجعله يفكر بهذه الطريقة".
تسهيلات كبيرة
وتعتبر السويد من بين أفضل البلدان الأوروبية نسبياً للاجئ السوري، فهي تمنحه حق الإقامة الدائمة غير المشروطة والحصول على الجنسية السويدية بعد خمس سنوات ليصبح اللاجئ السوري مواطناً سويدياً لا يختلف عن أصحاب البلد الأصليين أبداً في الحقوق ولا في الواجبات.
أضف إلى أن خطة الترسيخ التي تساعد في تعلم لغة البلد والتي تعتبر مفتاحاً أساسياً لكل ما يتبعها بعد ذلك. فمن أراد بعدها أن يعمل سيجد أمامه فرص العمل متوفرة خصوصاً إن كان صاحب مهنة، ومن أراد أن يتابع الدراسة سيجد القوانين السويدية فيما يتعلق بهذه المسألة تفتح له أوسع أبوابها.
وبالرغم من صعود اليمين المتطرف في الإنتخابات السويدية الأخيرة إلا أن غالبية الشعب السويدي يتمتع باللطف والمودة وتجدهم يسعون جاهدين لتقديم أي خدمة يستطيعونها.
وينصح عمرو كل لاجئ سوري جديد للسويد بقوله: "يجب ألا يستسلم الواصل الجديد لحالة الإحباط واليأس التي تصيبه وعليه أن يحاول أن يبقى إيجابياً فاعلاً يفكر انطلاقاً من تفاؤله الذي سيفتح له أبواب النجاح بعد ذلك من غير أن ينسى أن أمامه طريقاً طويلاً لبناء مستقبله الجديد في بلده الجديد. يجب أن يعرف أن النجاح لا يتعلق بمكان دون مكان آخر، فالنجاح كائن نخلقه نحن بخياراتنا ونتحالف معه بأيدينا من خلال تعبنا وجدنا. المشكلة يا صديقي ليست في السويد ولكن ربما فينا نحن"