السوريون يتعلقون بحبل الحياة اللاشرعي الأخير "التهريب"

السوريون يتعلقون بحبل الحياة اللاشرعي الأخير

سما مواطنة سويدية مصرية “كعادتي انتظرت انتهاء الازدحام في ممر الطائرة، وفرغت المقاعد أمامي إلا من طفل صغير يلهو بالتنقل بين المقاعد، اقترب المضيف منه و سأله بالإنكليزية عن مكان أهله، فبدأ الطفل بالضحك، مما استفز المضيف الذي صرخ بوجهه، هدأ الطفل ورد بالعربية أنه لم يفهم،  وهنا تدخلت وسألت الطفل عن عمره ومكان أهله، فأخبرني أنه في التاسعة وجاء من سوريا وحيداً إلى السويد ليحصل على اللجوء وأن والديه لا يزالان في سوريا، كان يجيب بطريقة آلية و كأنه حفظ الإجابة، أعلمت المضيف بما قاله الصغير وغادرت و لم أعرف ماذا حصل بعد ذلك”.   
تنص اتفاقية دبلن على حق الطفل دون سن الـ 18 بلم شمل عائلته المتضمنة الأم والأب والأخوة دون السن الـ 18 أيضاً، وبناء على ذلك تقوم بعض العائلات السورية بإرسال أحد أطفالها وحيداً إلى بلد اللجوء حيث تتم رعاية هؤلاء الأطفال في ملاجئ خاصة لحين قدوم عائلته.
تشكل هذه الطريقة أحد أكثر الطرق تطرفاً للحصول على اللجوء، وهي ليست الأكثر غرابة حيث تتضمن طرق التهريب أيضاً الوصول إلى مستعمرات فرنسية أو بريطانية  في المحيط الهادي، أو المشي ضمن غابات أوروبا الشرقية لأيام، وكل ذلك في سبيل الوصول إلى الجنة الأوروبية المنشودة.

-  السوريون واللجوء:
بلغ عدد اللاجئين السوريين حتى تاريخ 16/12/2014 وفقا للأمم المتحدة 3,323,859 لاجئ يتركز معظمهم في لبنان بواقع 1,147,788 لاجئ،  وتركيا ب 1,165,279، والأردن  620,441 ، لاجئ بينما تستقبل العراق 228,484 لاجئ،  ومصر مع شمال أفريقيا 161,614 لاجئ بينما تستقبل السويد وألمانيا  ما يقارب الـ 100,000 لاجئ، ويعاني السوريون اللاجئون في دول الجوار السوري ومصر من مشاكل عديدة تتعلق بالاندماج، والمساعدات المقدمة، والاعتراف بوضعهم القانوني كلاجئين، ومنحهم أوراقاً ثبوتية أو وثائق سفر، وعدم وضوح الرؤية المستقبلية لوضعهم من ناحية منحهم جنسيات تلك البلدان مستقبلاً.
وإلى جانب مشاكل الأمن الشخصي وتأمين المعيشة، تشكل ملفات مثل التعليم واحداً من أهم مخاوف الأسرة السورية في داخل سوريا وخارجها، خاصة مع وصول نسبة تسرب الأطفال السوريين من المدارس إلى ما يقارب النصف، ويضاف إلى كل هذه الصعوبات المشاكل التي تواجه الشبان في عمر الخدمة العسكرية إذ يضطرون للهروب من سوريا لتفادي التجنيد الإجباري .
مع هذا العدد الكبير من السوريين المهجرين، تبرز مشكلة الأوراق الثبوتية كتسجيل المواليد الجدد، وتجديد جوازات السفر، واستصدار جوازات سفر جديدة، خاصة لأولئك الخارجين من سوريا بطريقة غير قانونية.
جميع ما ورد سابقاً جعل الكثير من الشبان والعائلات السورية تبحث في إمكانية اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي، التي تلتزم باتفاقية عام 1951 للاجئين، فمعظم هذه البلدان تقوم بتقديم مساعدات مالية للاجئين، وأوراق ثبوتية متمثلة في وثائق السفر، مع إمكانية الحصول على الجنسية بعد سنوات معينة، كل ذلك يشكل أرضية ثابتة لبداية حياة جديدة للسوريين الخارجين من أتون الحرب.

- تهريب و آليات الوصول إلى بلد اللجوء:
محمد 31 عاما: “بعد هروبي من سوريا، والحكم عليَّ غيابياً بالسجن المؤبد بتهمة تمويل الإرهاب، وضعت زوجتي طفلنا الأول، ورفضت السفارة السورية في مصر تسجيله، واستصدار جواز سفر سوري له، قمت بعد ذلك بالتسجيل في مفوضية الأمم المتحدة، وتم منحي إعادة توطين في ألمانيا، وأصبح إبني حاملاً لوثيقة لجوء ألمانية بدلاً من جواز السفر السوري”.
تستطيع العائلات السورية المسجلة في الأمم المتحدة الحصول على توطين في عدد من الدول منها الولايات المتحدة الأمريكية واستراليا ودول أوروبية مثل ألمانيا والسويد، إلا أن نسبة اللاجئين الذين يحصلون على توطين في بلدان جديدة لا تتجاوز 1% من عدد اللاجئين المسجلين لدى الأمم المتحدة، و مع بداية الأزمة السورية بدأ الكثير من السوريين محاولة الحصول على فيز نظامية لبعض البلدان، ومن ثم السفر بشكل نظامي، و طلب اللجوء إليها، هذه الطريقة أصبحت شبه مستحيلة الآن مع رفض معظم البلدان إعطاء فيز للسوريين إلا بشروط معينة وخاصة جداً، حتى إن السوريين أصبحوا بحاجة للحصول على فيزا ترانزيت في حال مرورهم بأي بلد أوروبي.
وبذلك أصبح من شبه المستحيل على أي سوري الوصول بشكل قانوني إلى أوروبا أو أستراليا أو أمريكا، وبدأت عملية اللجوء للطرق غير القانونية للوصول إلى بلدان أوروبا وغيرها من بلدان اللجوء.
وتطورت هذه الأساليب مع زيادة التشديدات والإجراءات التي تفرضها الكثير من البلدان على وصول السوريين إليها، فمن طرق بسيطة عبر جوازات سفر شبيهة ومزورة، إلى أساليب معقدة وملتوية قد تتضمن السفر ضمن أكثر من بلد في القارة الأفريقية، وصولاً إلى السفر نحو إحدى المستعمرات الفرنسية أو البريطانية.
ويذكر أنه وفقاً لبروتوكول مكافحة تهريب المهاجرين عن طريق البر والبحر والجو المكمل لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، تعرف جريمة التهريب بأنها “تدبير الدخول غير المشروع لشخص ما إلى دولة طرفٍ ليس ذلك الشخص من رعاياها أو من المقيمين الدائمين فيها، وذلك من أجل الحصول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى”، وتتراوح عقوبة المهربين ضمن بلدان الاتحاد الأوروبي بالسجن من 10 إلى 15 سنة مع غرامات مالية.

- تركيا الوجهة الأولى للباحثين عن اللجوء إلى أوروبا:
مهند 33 عاما: “بعد فشل محاولاتي المتكررة للسفر عبر مطاري أتاتورك وصبيحة في اسطنبول أكثر من مرة، قررت اللجوء إلى التهريب عبر البحر، ولصعوبة الخروج من اليونان، قررت الذهاب مباشرة إلى إيطاليا، استمرت الرحلة من مرسين إلى الشواطئ الإيطالية ثمانية أيام، وتم اعتقالي من طرف خفر السواحل الإيطاليين لاشتباههم بكوني المهرب”.
تشكل تركيا الوجهة الأولى للباحثين عن حلم اللجوء إلى أوروبا وتتعدد الأساليب المتبعة حيث لجأ السوريون بداية إلى استخدام جوازات سفر مزورة أو جوازات أوروبية لأشخاص شبيهين لهم، والسفر عبر مطاري إسطنبول (أتاتورك و صبيحة)، ومع تشديد السلطات التركية للإجراءات الأمنية، أصبح من الصعوبة بمكان السفر بهذه الطريقة، ولو أنه لم تزل هناك حالات ناجحة حتى اليوم، وتشكل هذه الطريقة بالتهريب الطريقة الأكثر كلفة و تتراوح كلفتها بين 8000 -12000 يورو.
بكلفة أقل تتراوح بين 2000-7000 يورو يتم اللجوء إلى الطريق البحري، وتختلف الكلفة  حسب نوعية القارب المستخدم، والذي يتراوح بين قارب مطاطي ويخت، وحسب الوجهة هي إلى اليونان أم إيطاليا، وبهذه الحالة يتم التهريب من إحدى الموانئ التركية الغربية بودروم/مرسين..

- تهريب 2 الشاطئ الأفريقي الشمالي والطرق البحرية الأرخص والأخطر:
عرفات 31 عاماً “تواصلت مع مهربين في تركيا، ولكن أسعارهم كانت مرتفعة فنصحني صديق لي بالهرب عبر ليبيا لأن الأسعار أرخص، قمت ببيع شقتي وبعدها سافرت من سوريا إلى لبنان، ومنها إلى الجزائر، ثم قطعت الحدود الجزائرية الليبية بطريقة غير شرعية، ومن ثم إلى إيطاليا برحلة استغرقت 47 يوماً من سوريا إلى إيطاليا، تعرضت خلالها للابتزاز وواجهت الموت أكثر من مرة” .
نتيجة الفوضى الأمنية أصبحت ليبيا أحد أهم محطات التهريب في افريقيا، وبتكلفة أقل بنسبة النصف حيث تبدأ الأسعار من 1500 يورو، ويشكل هذا الطريق أخطر طرق التهريب، حيث أصبحت تجارة تهريب البشر عملاً منظماً  تديره عصابات متخصصة، ويقوم السوريون عادة بالسفر إلى الجزائر ومن ثم الانتقال إلى ليبيا بطريقة غير شرعية تكلف بحدود 200 يورو للشخص الواحد ومن الموانئ الليبية يتم الانطلاق باتجاه إيطاليا برحلة تعد هي الأخطر وفق أرقام الأمم المتحدة، حيث لقي ما يقارب 4000 شخص مصرعهم خلال عام 2014 في رحلات التهريب البحرية معظمهم كانوا يحاولون الهروب عبر طريق الساحل الأفريقي الشمالي باتجاه إيطاليا.

- ما قبل الوجهة النهائية (اليونان و إيطاليا):
رشا 34 عاما: “يوجد الكثير من السوريين في أثنيا، ومعظمهم يحاولون الهروب إلى السويد أو ألمانيا أو هولندا.. بقيت في اليونان ستة أشهر مما استنزفني مادياً، وفي النهاية نجحت في السفر عبر مطار  Thessaloniki إلى التشيك ومنها إلى ألمانيا”.
في حال كانت الوجهة اليونان، يتوجب على اللاجئ محاولة الوصول إلى وجهته النهائية، عبر مطارات اليونان باستخدام جوازات سفر شبيهة، أو هويات أوروبية تصل كلفتها أحيانا إلى 4000 يورو، أو الذهاب براً عبر الحدود اليونانية البلغارية، وسجلت حالات وفاة لهاربين ضمن الغابات الأوروبية، كما أن الهاربين يبقون معرضين لخطر الاعتقال من السلطات البلغارية، وأخذ بصماتهم، وبذلك يكونون مجبرين على طلب اللجوء في بلغاريا الدولة الفقيرة ذات الاقتصاد المنهار ونسب البطالة العالية.
أما في حال كانت الوجهة إيطاليا فتكون المهمة أسهل، حيث يتوافر الكثير من المهربين في إيطاليا، ويقومون بتقديم خدماتهم في إيصال اللاجئين إلى وجهتهم النهائية باستخدام الباصات، وكما يمكن أن تتم هذه المهمة عبر القطارات.

- تهريب خمس نجوم:
نور 25 عاما: “بعد التواصل مع مهرب لأسابيع حصل على جوازات شبيهة لي ولوالديّ وخرجنا من بيروت إلى إسطنبول متوجهين مباشرة إلى ستوكهولم وكانت تكلفة الجواز الواحد 10000 يورو”.
بعيداً عن قوارب الموت والرحلات البحرية تدفع أثمان مرتفعة جداً تصل ل12 ألف يورو للحصول على فيز نظامية من سفارات بعض البلدان مثل اليونان التي لا تعترف بلدان الاتحاد الأوروبي ببصمتها، ومبالغ مماثلة تدفع للحصول على جوازات سفر أوروبية شبيهة أو فيز ترانزيت تتضمن الوقوف في أحد بلدان الاتحاد الأوروبي، وهذا الحل متاح غالباً للأثرياء الذين يحاولون الحصول على الجنسيات الأوروبية كضمانة مستقبلية.
الطلب والسعر
وسيم 43 عاما: “حصلت على جواز سفر شبيه عن طريق أحد أقربائي في بلغاريا ودفعت ثمنه 1500 يورو، لو قمت بذلك عن طريق مهرب فإن التكلفة لن تقل عن 8000 يورو، حيث إن الوسطاء بين المهرب واللاجئ يقومون بإضافة عمولتهم الخاصة”.
مع بداية عام 2012 كانت التكلفة الكلية لعملية التهريب لا تتجاوز الـ 4000 يورو، ومع ازدياد التضييق على فيز السوريين وسوء الوضع الأمني في الداخل السوري، والاضطرابات في مصر و ليبيا،  وزيادة الامتيازات التي تمنحها دول الاتحاد الأوروبي للاجئين السوريين ارتفعت أسعار التهريب لتصل إلى 12000 يورو.

 - نهاية معاناة وبداية أخرى:
 بعد الوصول إلى الوجهة النهائية، ونهاية متاعب رحلة التهريب، تبدأ متاعب التأقلم مع المجتمع الجديد، وبداية حياة جديدة، وتعلم لغة جديدة،
 بعد نجاة اللاجئ من الموت في سوريا والموت في البحر، تتبقى مهمة القدرة على الحياة في الملاجئ الجديدة.