بيع الذهب هو الطريق الوحيد للامهات لتجنيب ابنائهم خطر الالتحاق بالجيش السوري.

بيع الذهب هو الطريق الوحيد للامهات لتجنيب ابنائهم خطر الالتحاق بالجيش السوري.

مع ارتفاع عمليات الاعتقال للشباب ممن هم في سن الخدمة العسكرية الإلزامية أو خدمة الاحتياط، للزج بهم إلى جانب قوات بشار الأسد على جبهات القتال، يلجأ الأهالي لطرق عدة للحفاظ على أبنائهم، وتجنيبهم الاعتقال المتكرر على الحواجز العسكرية في دمشق ومدن أخرى.

وفيما فضل عدد كبير من الشبان التزام منازلهم كإجراء وقائي واحترازي من عمليات الاعتقال هذه، إلا أن ضيق الحياة المعيشية وارتفاع الأسعار شكل ضغطا على العائلات، الأمر الذي جعل أمهات الشباب أو زوجات المطلوبين للخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية يلجأن إلى بيع مصوغاتهن الذهبية مقابل تأمين جواز سفر للابن أو الزوج والهجرة خارج البلاد، كخيار بديل عن احتمال الموت على جبهات القتال ضد الثوار أو مع تنظيم الدولة.

وفي هذا السياق، تروي عضو مكتب دمشق الإعلامي "روز الدمشقي"؛ فصولا من معاناة السيدة الدمشقية "أم محمد"؛ التي عملت على تأمين أولادها من مخاطر حمل السلاح إلى جانب قوات النظام السوري.

وتقول روز الدمشقي: "أم محمد صاحبة (60 عاما)، توفي زوجها منذ قرابة عقد ونيف من الزمن، ولكنها لازالت تحتفظ بالمصاغ الذهبي الذي قدمه زوجها، وكانت تدخره كذكرى منه بعد رحيله. ومع اندلاع الثورة السورية، فضلت أم محمد إبقاء أبنائها الشباب على مقربة منها، ولكن مع الحملة الأخيرة من حوادث الاعتقال التعسفي التي طالت الشباب والشياب، ضاق الحال بالحاجة أم محمد التي تستأجر منزلا في دمشق بعد نزوحها من إحدى مدن الريف".

وتوضح روز أن مكوث أبناء أم محمد في المنزل لم تعد العائلة تستطيع تحمل نتائجه، "الأمر الذي دفعها إلى التخلي عن ذكرى زوجها وبيعها، مقابل الحصول على جوازات سفر لأبنائها الثلاثة، وتسفيرهم خارج سوريا، كحل إجباري وأخير للحفاظ عليهم من خطر الاعتقال".

وتستطرد الدمشقي ، بأن "الحاجة أم محمد تعمل في مجال الخياطة مع ابنتيها، وكان قد أجبرها النظام السوري في أواخر عام 2012 على بيع قسم من مصاغها الذهبي لتقديم الرشوة لأحد ضباط مخابرات النظام لإطلاق سراح ابنها الذي اعتقلته الأجهزة الأمنية عندما انتقلوا للسكن في العاصمة".

وتضيف نقلا عن أم محمد: "كنت أحلم يوما أن أفرح بزفاف أولادي الشباب، وأكحل عيوني بهم، ولكن اليوم أجبرتني حملات الاعتقال أن أبدل حلم الزفاف بحلم الهجرة التي باتت ملاذا آمنا لهم من الاعتقال، فأنا سأتحمل هجرتهم إلى المنفى ولا أتحمل عودتهم لي من الجبهات في صناديق مغلقة"، كما تنقل روز الدمشقي عن الأم.

وفي المقابل، رفضت أم محمد الخروج خارج البلاد قائلة: "لم يبق من هذا العمر أكثر مما مضى"، مشيرة إلى أنها "ستواصل عملها مع ابنتيها في مجال الخياطة لتأمين أجرة المنزل، ولقمة العيش".

وتقول الدمشقي: "قلبها (أم محمد) يتفطر على فلذات كبدها الذين ودعتهم قبل سفرهم خارج البلاد بدموع الأم المكلومة، في وداع ربما يكون هو ذاته اللقاء الأخير بينهم، سائلة الله أن يلم شملها بهم مرة آخرى قبل أن تغادر هذه الحياة".

وأشارت عضو مكتب دمشق الإعلامي ، إلى خلو ملحوظ للشباب والرجال في العاصمة، مقابل ازدياد واضح للعنصر النسائي، معللة ذلك بالحملة "الشرسة" التي لازالت قوات النظام السوري تنفذها بحق القاطنين في المدينة.

وأشارت إلى معلومات وصلت إلى مكتبهم ببلوغ عدد المعتقلين خلال هذه الحملة إلى نحو 27 ألف مدني من عموم البلاد، حيث يقوم النظام السوري بتجميع المعتقلين في معسكرات منطقة الدريج في ريف دمشق، ثم فرزهم خلال أيام إلى الجبهات المشتعلة مع تنظيم الدولة، وخاصة في ريف حلب، فيما تم توثيق حالات عديدة لشبان دمشقيين اعتقلهم النظام السوري خلال الحملة، وعادوا بعد عدة أسابيع فقط جثثا هامدة لعائلاتهم، كما تقول روز . ( عربي 21 )