تجمعات السوريين في ألمانيا .. وطنٌ متنقل في كل منزل

تجمعات السوريين في ألمانيا .. وطنٌ متنقل في كل منزل

حافظ بعض السوريين على ما اشتهروا به في بلادهم من متانة الروابط الأسرية والتكافل الاجتماعي، رغم تفرق شملهم وتباعد أماكن إقامتهم واختلاف ميولهم في البلدان التي اختاروا العيش فيها، أو تهيأت لهم ظروف الانتقال إليها.
وبدأت التجمعات في بلاد الشتات المترامية الأطراف على الشبكة العنكبوتية ومواقع التواصل الاجتماعي وبرامج التشات، لتتحول إلى تجمعات واقعية في منازلهم أو ساحات مدنهم الجديدة، ليشكلوا وطنًا يحملونه معهم كأنهم في إحدى مقاهي دمشق أو ملاعب حمص أو إحدى ساحات حلب.
في ألمانيا، قبلة السوريين الأولى، كما وصفتها تقارير الأمم المتحدة، حيث تجذبهم أكثر من جيرانها في الشمال الأوروبي لمناخها المقبول وظروف العمل المتاحة، إضافة إلى مزايا اللجوء التي يحصل عليها الفرد فور وصوله إليها؛ جعل هؤلاء من حاراتهم وبيوتهم التي يقطنونها أوطانًا ثانية تعوضهم عن جزء من مرارة الغربة.
مجموعة من العائلات السورية في مدينة “بيبيراخ” جنوب ألمانيا تنظم اجتماعًا أسبوعيًا، حيث تحضر الوجبات الشعبية بينما يتناقشون بالقوانين الألمانية وطرق تطبيقها وحقوقهم وواجباتهم في الدولة المضيفة.
ويعتبر أحد منظمي الاجتماعات أنها “تنمّي أواصر علاقات اللاجئين هنا وتجعلهم متكافلين في غربتهم، وتبني علاقات جديدة وسط غربتهم عن أهلهم وأصدقائهم”، مشددًا على ضرورة “استمرار الحالة الذي تفقدها الشعوب الغربية وطالما خسرها آخرون أيضًا وصلوا إلى أوروبا في وقت سابق”.
ويشكل الفضاء الأزرق (فيس بوك) طريقة أخرى للتواصل وتبادل التجارب، كمجموعة “البيت السوري في ألمانيا”، التي بدأت بتوضيح تدابير الحصول على اللجوء الإنساني والسياسي والمساعدة في شرح الأمور العالقة، ثم تحولت في مبادرتها غير المحدودة لتجمَع السوريين في كل مدينة ضمن مجموعات صغيرة وفق رغباتهم بالرياضة والفن والمسرح لخلق مبادرات جديدة تقدم النفع لهم.
كما أنشأ عددٌ من الشباب مجموعة الدراسة في ألمانيا، التي تعتبر المرجع الأساسي للطالب السوري ليهتدي نحو طرق التسجيل في الجامعات ويستفيد من تجارب طلاب حصلوا على فرص لإكمال تحصيلهم، حاملين مسؤولية تقديم الاستشارة والنصيحة للطلاب القادمين الجدد بدون مقابل مادي.
واعتبرت ميسون، أحد أعضاء المجموعة، أنها “عبارة عن أيادٍ سورية ممدودة للخير، تفتح طرقات لطلاب العلم، وتدفع بعض الشباب فاقدي الأمل لمتابعة تعليمهم والبحث عن فرصة جديدة”.
وأضاف دلدار حسين المستفيد من خدماتها بالحصول على فيزا لدراسة الطب في ألمانيا، أن المجموعة “تمكنت من حصر جميع المعلومات المهمة للطالب الذي يرغب بالدراسة في ألمانيا، من فتح الحساب البنكي والتأمين الصحي وحجز مواعيد السفارة والتسجيل في مؤسسات حكومية والجامعات بعد الوصول، وصولًا إلى تأمين السكن الجامعي للطلاب”، مردفًا “لا يمكن رد الجميل الذي تقدمه المجموعة مهما حاولت”.
شذى خليل الحائزة على دكتوراة في هندسة الإلكترون من جامعة فريدريش شيلر في ألمانيا، سخرت صفحتها على الفيس بوك لتكون مرجعًا لعدد كبير من الطلاب السوريين وذوي الكفاءات العلمية والمهنية وأهاليهم الباحثين عن فرص دراسية.
وتقول الدكتورة شذى إن الأسباب التي دفعتها لذلك تعود إلى أن “زرع الأمل وتبادل التجارب الناجحة وحب المساعدة بين السوريين الذين قتلتهم المناطقية والطائفية التي سيطرت على تفكيرهم جراء الحرب، أمور مهمة جدًا يجب أن يقوم بها كل من يستطيع إليها سبيلًا”.
وتبلورت الفكرة لدى الدكتورة شذى بعد إعلان الغرب العام الماضي أن حربهم ضد “داعش” قد تستمر لخمس سنوات، ما جعلها تفكر في “إنقاذ ما تبقى من مستقبل الشباب السوري الطامح للنجاح”.
وتضيف “بالطبع نجحت، فإن الكثير من السوريين يخبرونني عن فرص عمل بشركاتهم أو منح دراسة قرأوا عنها، لكي أقوم بعرضها لغيرهم”، مشترطةً على كل من يستطيع الاستفادة من صفحتها أن يقدم المساعدة لـ 3 أشخاص “لنشر الخير بين السوريين في بقاع العالم”.
وتأتي هذه الفعاليات في الوقت الذي تتوالى فيه التظاهرات المناهضة لوجود النفوذ الأجنبي داخل ألمانيا والزحف الكبير لمسلمي الشرق الأوسط ما يجعل المسؤولية تقع على عاتق السوريين وغيرهم من العرب والمسلمين الذين وضعتهم ظروفهم في أوروبا لتحسين الصورة، وإمكانية التعايش مع الشعوب الأخرى مع الحفاظ على الهوية الأصلية وعدم التخلي عنها.
وعلى الرغم من محاولات التجييش ضد أسلمة ألمانيا ودول الاتحاد الأوروبي، قررت ألمانيا مطلع كانون الثاني الماضي، استقبال 5 آلاف لاجئ سوري معظمهم من الموجودين بلبنان، واستضافة 5 آلاف آخرين ممن لهم أقارب في ألمانيا.