من نازح في خيمة إلى مدير للتصدير في واحدة من أكبر خمس شركات في عنتاب!!

من نازح في خيمة إلى مدير للتصدير في واحدة من أكبر خمس شركات في عنتاب!!

 قبل نحو ثلاثة أعوام من الآن، لجأ الشاب محمد نبيه إلى مخيم "قرقميش" في الجنوب التركي، فاراً وعائلته من جحيم القصف الذي كانت تتعرض له مدينته مارع في ريف حلب الشمالي من قبل مقاتلات النظام، شأنها شأن كل المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.. لا تختلف إلى هنا هذه الحكاية، فبهذا هو يتساوى مع أقرانه النازحين الآخرين.. لكن لحكاية محمد، خريج كلية الآثار، فصول بدأت أولاها حين عمل في المول التجاري الذي أقيم في المخيم لمدة طويلة بأجر بسيط، استطاع خلال تلك الفترة أن يجيد التحدث باللغة التركية من خلال الاحتكاك مع الأتراك بشكل عام، ومن خلال صداقته مع حسن، العامل التركي في المول، على وجه خاص.. فبذلك أضاف اللغة التركية إلى اللغة الإنكليزية والألمانية اللتين كان يتقنهما أساساً.

 لم يكن محمد راضياً عن عمله، ولذلك كان دائم البحث عن فرصة للعمل عبر شبكة الانترنيت، إلى أن اهتدى إلى موقع الكتروني تركي متخصص في الاعلان عن وظائف العمل، وبحث من خلاله عن شركة بحاجة إلى موظف يتقن اللغة الإنكليزية إلى جانب العربية والتركية، وكان له ما أراد في شركة متخصصة بصناعة المنظفات "تات كيا".

 يقول محمد ضاحكاً، "أرسلت للشركة الـ"cv" الخاص بي، وفي غضون يومين فقط جاء الرد، وحين أتاني الرد انتابتني حالة من الهلع، فمجال عملي السابق كمرافق للبعثات الأثرية الأجنبية في سوريا بعيد كل البعد عن التجارة، ومع ذلك قررت مواصلة هذا الطريق". 

ويضيف لـ"اقتصاد"، "لقد طلبوا مني القدوم إلى عنتاب لإجراء فحص المقابلة، وأنا لم أزر تلك المدينة مطلقاً"، ويوضح، "بصعوبة اهتديت إلى عنوان الشركة، وتم اختباري حينها في اللغة الإنكليزية، وللمصادفة كان مالك الشركة يجيد اللغة الإنكليزية، وتم قبولي بمرتب شهري مقداره 1000 ليرة تركية". 

كُلف محمد بمسؤولية التعامل مع عملاء الشركة في الشرق الأوسط، على اعتبار أن الشركة مصدّرة، وهنا كانت مخاوفه تزداد، هذا الأمر دعاه إلى مكاشفة صاحب الشركة بأنه لا يمتلك الخبرة في التعامل التجاري، لكن رد صاحب الشركة أراحه، "لا بأس تعلّم". 

طالت فترة الحصول على إذن العمل ثلاثة أشهر، لم يترك محمد دائرة حكومية تركية إلا وزارها، ومنها بدأ في اكتساب خبرات العمل الجديد، واستمر على هذا الحال إلى نحو أكثر من عام. 

لم تقف حكاية محمد هنا، فقبل ستة أشهر من الآن، طلب منه عميل للشركة، فلسطيني الجنسية، تأمين كمية كبيرة من حفاضات الأطفال، هذا الطلب كان مفصلياً في مشواره المهني، يوضحه بالقول "بحثت عن شركة متخصصة بصناعة الحفاضات في عنتاب وأرسلت للعميل عينة، وتمت أول صفقة بنجاح، وتكررت هذه الصفقات مع عميل مصري الجنسية، وحينها توطدت العلاقة مع صاحب المصنع الجديد، إلى أن عرض علي العمل كمدير للتصدير بمرتب يفوق مرتبي السابق بعشرة أضعاف".

 ويمضي قائلاً، "قررت إنهاء عملي القديم، لكن صاحب الشركة رفض طلب الاستقالة، ومن ثم رضخ لمطلبي تحت الإلحاح، ومنها انتقلت إلى الشركة الجديدة". 

ويخبرنا محمد عن عمله الجديد فيقول، "أتعامل الآن مع مستوردين من 33 جنسية مختلفة يتوزعون على كل قارات العالم، وتفوق تعاملات الشركة مبلغ المليون دولار شهرياً، ومتابعة كل هذا يقع على عاتقي".

 وخلافاً لما جرت عليه العادة، فمحمد يتقاضى المرتب الشهري الأعلى في الشركة، مع أن غالبية موظفيها من الأتراك. 

يشعر محمد بالحنين إلى عمله السابق في مجال التنقيب عن الآثار، لكنه يرى أن العمل في ذلك المجال اليوم مقتصر على الاتجار غير الشرعي بالآثار، وهذا ما يجعل محمد سعيداً ربما، لأنه غير مضطر لرؤية قساوة ما يجري.