"لا جواز سفر بدون إرسال فيديو".. إجراء خطير من مخابرات النظام ضد لاجئين سوريين

"لا جواز سفر بدون إرسال فيديو".. إجراء خطير من مخابرات النظام ضد لاجئين سوريين

"اذهب إلى المنطقة التي نحددها لك في المدينة التي تسكن فيها، ثم صور نفسك وأفراد عائلتك فرداً فرداً، وكل شخص يقول اسمه وعمره وكامل معلوماته، ويجب أن يكون الفيديو واضحاً، وبجود عالية وبصوت واضح، وإلا فلن تحصل على جواز السفر!".

هذه العبارات هي ملخص طلب تقدم به سمسار لسوري يعيش في الخارج، وأراد الحصول على جواز سفر من دمشق، وما قاله السمسار هو إجراء باتت تطلبه فروع مخابرات النظام من بعض السوريين المهجرين في الدول المختلفة؛ والذين يحاولون الحصول على جوازات سفر جديدة.

ويأتي هذا الطلب الغريب بينما ترفض إدارة الهجرة والجوازات التابعة للنظام الاعتراف بأي أختام دخول لهؤلاء الأشخاص إلى الدول التي دخلوها، وتفرض عليهم إرسال فيديو لهم ولجميع أفراد عائلاتهم لكي تسمح لهم بتجديد جوازاتهم المنتهية.

"عمر" وهو اسم مستعار لشاب سوري في ألمانيا، تعرض لذلك الموقف غير المسبوق، وتحدث لـ"السورية نت" عن تفاصيل ما حدث معه.

وكان عمر يسعى للحصول على جواز سفر جديد لأفراد عائلته، وحاول تجديدها من قبل دائرة الهجرة والجوازات في دمشق، ودفع مقابل ذلك رشاوى تجاوزت 1500 يورو، إضافة لمبلغ  400 دولار للجواز الواحد (مدته سنتان فقط).

لكن رغم ذلك، فاجأه السمسار الذي يشرف على تلك العملية في دمشق، وقال إن "عليه إرسال "الفيديو" كي يتأكدوا أنه في ألمانيا، وإلا لن يكون هنالك أي جواز سفر، كما حذره السمسار بأن جميع الأموال التي دفعها ستذهب دون فائدة. 

وأشار عمر في تصريحه لـ"السورية نت"، أنه بعد أخذ ورد، وبعد أن أقنعه السمسار بأن الفيديو "روتيني" وأنه أصبح أحد الطلبات الأساسية حتى بعد دفع الرشاوى المطلوبة للأمن، وأنه "لا يضر" حسب زعمه، صوّر عمر الفيديو في منزله مع ذكر المدينة ثم أرسله.

وجاء رد السمسار بأنه ينبغي عليه تصوير الفيديو نهاراً في منطقة حددها له في المدينة الألمانية التي يسكن فيها، وأن تظهر عدة أبنية محددة سميت بالاسم، وطلب السمسار أيضاً تصوير كل شخص في العائلة، مكرراً تهديده بعدم تسليمه جوازات السفر.

و"عمر" هو أحد الأشخاص المطلوبين بشدة لنظام الأسد، الذي اعتقل عدداً من أقاربه وقصف منزله ومنزل عائلته في سوريا، واضطر للجوء إلى ألمانيا للعلاج بعد إصابته خلال القصف.

وأعرب عمر عن خشيته من أن يفقد أطفاله وزوجته حقهم في البقاء في ألمانيا، بسبب عجزه عن توفير جواز سفر لهم، خاصة بعد رفضه إرسال الفيديو الذي طلبه منه السمسار بعد أن تأكد أنه يشكل خطراً على حياته وسلامة أطفاله.

طلب مشابه

وتواصلت "السورية نت" مع شاب آخر موجود في دولة خليجية وقد تعرض لنفس الموقف، وطلب الشاب إخفاء اسمه والبلد الموجود فيها خشية على سلامته وسلامة عائلته، وخوفاً من الانتقام من حديثه.

وقال الشاب إن "سمساراً طلب مني تصوير نفسي في منطقة معينة بالمدينة التي أعيش فيها، وحدد لي أحد الشوارع الرئيسية، كما طلب أن أتصور بجانب أبنية سماها السمسار بالاسم"، وأكد له أنه لن يُقبل طلب الجواز الجديد بدون هذا الفيديو.

وطلب السمسار تصوير جميع أفراد العائلة الموجودين مع الشاب، رغم أن بعضهم ليسوا بحاجة لجوازات سفر، حسبما قال الشاب لـ"السورية نت".

للمعارضين فقط

ويبدو أن طلب السمسار المأخوذ من الفروع الأمنية، يستهدف جزءاً محدداً من السوريين، حيث قال عمر لـ"السورية نت" إنه يوجد في ألمانيا عدد كبير من المؤيدين للنظام، والكثير منهم يتفاخر بـ"التشبيح" وحتى علاقته ومعارفه ضمن المخابرات"، ولكنهم ليسوا مطالبين بتصوير فيديوهات عند تجديد جوازات سفرهم من دمشق، مؤكداً أن هذا الطلب مقتصر على المعارضين فقط.

وكلام عمر أكده أيضاً الشاب الذي طلب إخفاء هويته، حيث قال إن "عدة أشخاص مؤيدين للنظام أو من الأشخاص الذين ليس لهم علاقات بالثورة أو الجيش الحر أو الإعلاميين المعارضين للنظام لم تطلب منهم هذه الفيديوهات، بل طلبت من عدة أشخاص يعرف أنهم أخوة أو أقارب لعناصر في الجيش الحر، أو أقارب لعائلات إعلاميين ناشطين ضد النظام".

 وأكد الشاب أن سبب طلب الفيديو منه، أنه نفسه ذو نشاط ضد النظام، ولديه أخوان أحدهما صحفي معارض، والآخر في "الجيش الحر".

خشية وقلق

وجاء امتناع عمر عن إرسال الفيديو الذي طُلب منه، بعد أن تواصل مع محامية ألمانية تهتم بشؤون اللاجئين في ألمانيا، وأكدت المحامية له أن هذا التصرف غير مسبوق تاريخياً، وهو يشكل خطراً كبيراً على سلامته وسلامة المحيطين به.

وأكدت وأنه يجب على الحكومة الألمانية إيقاف هذا الأمر، لأن هذه النوعية من المعلومات تصنف على أنها معلومات ذات طابع استخباراتي بحت، وأهدافها ليست توثيقية بل استخباراتية، ومنها "تنفيذ عمليات اغتيال، أو اختطاف بهدف الابتزاز، وإجبار المعارضين المطلوبين للعودة إلى النظام ما يشكل خطراً عليهم".

وأكد عمر أنه بات يخشى على عائلته وعلى نفسه أكثر، خاصة بعد الحوادث الغريبة التي بدأت تصيب بعض اللاجئين المعارضين في ألمانيا وعدة دول أوروبية، من حوادث قتل عبر الصدم بالسيارات أو الطعن من قبل مجهولين، أو حوادث "عرضية" بعضها يسجل بهدف السرقة وبعضها يسجل بشكل حوادث “غير مقصودة"، مثل التسمم بالغاز، والحرائق. لكن هذه الحوادث تصبح أكثر تكراراً مع المعارضين للنظام وليس مع المؤيدين الذين لا تشملهم "لعنة الحوادث العرضية" حسب تعبيره.

وأكد عمر لـ"السورية نت"، أن العديد من السوريين الذين يعرفهم تعرضوا للضرب والاعتداء، من قبل أشخاص أفغان، وعراقيين، وسوريين مؤيدين للنظام بدون سبب واضح.

وقال إن هذه الحوادث تبدوا "وكأنها عمليات منظمة ضد السوريين بقيادة واضحة وليست مجرد عمليات أو شجارات عرضية"، مشيراً إلى أن لدى النظام عيون للاستخبارات في ألمانيا وأوروبا بشكل عام، مهمتهم التجسس على اللاجئين "وربما اغتيال المطلوبين منهم"، وفق قوله.

وأشار أيضاً إلى أنه يوجد بين بعض السوريين في ألمانيا، من يضع صورة تمجد بشار الأسد على حسابه في "فيسبوك"، ومنهم من "تجد صورته بلباسه العسكري وسلاحه أيضا".

ابتزاز

وتواصلت "السورية نت" مع مختص في "الأمن المعلوماتي"، وقدم شرحاً للطرق التي قد يستخدمها النظام لاستغلال تلك الفيديوهات.

وقال "أحمد" وهو مهندس مختص بالأمن "السيبراني"، إن النظام "قد يستخدم هذه الفيديوهات لأسباب مختلفة، بداية باصطياد الأشخاص الذين يتواصلون مع عائلاتهم داخل سوريا، واعتقالهم بهدف إجبار أقاربهم على العودة إلى النظام، خاصة أن النظام يتلقى مساعدات تقنية كبيرة من روسيا التي جهزته بالكثير من وسائل التجسس على الاتصالات عبر الانترنت".

وأضاف: "حقيقة على الرغم من الكثير من الكلام عن أمن برامج التواصل عبر الهاتف، من واتساب، وتيليغرام، وغيرها، لكن هذه البرمجيات لا يخفى أنها عرضة للاختراق (من قبل الروس)، أيضاً مثلها مثل غيرها بسبب الثغرات المختلفة".

الاستخدام الثاني المُحتمل للفيديوهات، أنه من خلالها يتم ابتزاز الأشخاص أنفسهم، خاصة أنه يوجد هنالك الكثير من البرمجيات التي تسمح بأخذ صورة معينة من الفيديو أو حتى صورة فوتوغرافية، وإدراجها ضمن فيديوهات مزيفة، تحمل إساءات وفضائح.

ومع مرور 8 سنوات على القتل والتضييق الحاصل ضد السوريين من قبل النظام، ومع وجود نحو 5.6 مليون لاجئ سوري، ما يزال جواز السفر السوري من أكبر المشكلات التي تواجه السوريين.

وهذه المعاناة مستمرة، لا سيما وأنه لم تتبرع أي دولة، أو منظمة، أو قوى فاعلة بتوفير حل لهؤلاء الملايين من البشر، والذين ما يزال النظام يتحكم بهم ويبتزهم عبر الجوازات.