بعد أن انكسر حلمه في حمص.. شاب سوري ينقل بوظة (الدق) إلى كندا

بعد أن انكسر حلمه في حمص.. شاب سوري ينقل بوظة (الدق) إلى كندا

وسط إطلالة بحرية جميلة بمنطقة "بيدفورد هاليفاكس" جنوب شرق كندا، يقع محل أميسا للبوظة العربية التقليدية أو ما تُعرف بـ "بوظة الدق"، وتزدان أرجاء المحل الذي من المنتظر افتتاحه قريباً من الداخل بفنون الأرابيسك والدهان العجمي والزخارف الدمشقية التي تضفي على المكان سحراً خاصاً. وفيما ينشغل عماله بلباسهم التقليدي بتجهيز الأوعية والمدقات الخشبية يبدو الشاب "سامر جوخدار" صاحب المشروع وهو يرحب بمرتادي المحل من العرب والكنديين ويقدم لهم من وراء واجهة زجاجية عينة مجانية من بوظاه الشهية بطريقة ملفتة وآسرة.
 

كانت بداية سامر في صنع البوظة بمنزل أهله في حمص من خلال ماكينة قديمة اشتراها بتشجيع من والدته، وكبر حلمه فيما بعد حينما أراد أن ينشئ مشروعاً صغيراً لتصنيع وبيع البوظة، ولكن المشروع لم يلبث أن اصطدم بالروتين والإجراءات الصارمة التي وضعها محافظ المدينة آنذاك "محمد إياد غزال" بحق أصحاب المشاريع والورشات الصغيرة. إلا أن الشاب الطموح لم يستسلم لليأس فبدأ بتوزيع إنتاجه المنزلي على المحلات والبقاليات المنتشرة في المدينة.

 


وروى جوخدار لـ"اقتصاد" أن مغتربة حمصية من مدينة تورنتو الكندية زارت مكان عمله برفقة قريبة له وأبدت إعجابها بمنتجه وعرضت عليه مساعدته بتوسيع عمله وإحضار مكنات حديثة وتحويل عمله الصغير إلى شركة، وتمكن بالفعل من شراء محل وخط انتاج بقدرة انتاجية تعادل ستة أضعاف انتاجه في المنزل. لكن المشروع توقف في اللحظات الأخيرة بسبب عدم الموافقة على تركيب ساعة كهرباء قدرة 3 فاز رغم أن المشروع كان مستكملاً لكل الشروط والكشوف الصحية.
 

 

مع بداية الحرب وحصار حي باب السباع انتهى آخر أمل لجوخدار في إتمام حلمه واضطر–كما يقول-للجوء إلى الأردن ضمن موجة النزوح الكبيرة التي شهدتها حمص بداية العام 2012 مع عائلته تاركاً كل شيء خلفه، وفي العام 2016 طُلب للجوء إلى كندا ضمن برنامج التوطين ووصل إلى هناك بتاريخ 26/1/2016.

 


بعد وصوله بستة أشهر شارك جوخدار بمسابقة لمؤسسة "إنا كتسكندا" الخيرية في مدينة "هاليفاكس" ضمن ورشة عمل للقادمين الجدد من سوريا بهدف تشجيعهم على إطلاق مشاريعهم الخاصة، وفاز مشروعه المتمثل بتصنيع البوظة العربية بالطريقة التقليدية (الدق) بالمركز الأول ومبلغ ألف دولار وتم تكريمه من قبل وزيرة الهجرة الكندية في "نوفا سكوشا" "لينا دياب".

 


وشرح رائد الأعمال الشاب طبيعة مشروعه الفائز ضمن 40 مشروعاً حيث يتم تصنيع البوظة التقليدية القديمة بمدقات الخشب الكبيرة في أحواض مبردة، ويكتسب هذا النوع من البوظة التي اشتهر بها محل بكداش العريق بطعمها اللذيذ المكون من المستكة والفستق الحلبي. 

 


ويعد متجر بوظة بكداش أشهر متجر لبيع البوظة في سوريا إذ تعود نشأته إلى صاحب الإختراع محمد حمدي بكداش عام 1895 والذي نجح في تحويل مهنة أجداده من بيع عصير الليمون البارد إلى بوظة عربية عن طريق إضافة نبات ينمو في جبال سوريا وهو السحلب إلى الحليب وتبريدهما لينتج عن ذلك الخليط، البوظة العربية (الدق).

 


ولكن الجديد –بحسب الشاب القادم من حمص- تصنيع مختلف الأصناف الأخرى مثل بوظة الفواكه بأنواعها(فريز وتوت وموز ليمون ومنجا وكيوي ورمان ودراق) ونكهات أخرى، وحتى الأصناف الايطالية أو الغربية متل بوظة بحشوات "السنكرز" والـ "أوريو" و"باونتي" و"مارس" و"كتكات" و"فريرو" وأنواع متعددة من النوتيلا، والشوكولا. وكلها تُصنع بطريقة الدق واستخدام المطيبات فيها مثل ماء الورد وماء الزهر والسحلب.

 


 وأبان جوخدار أن ما يميز البوظة التي يقدمها عن تلك التي اعتادها سكان هاليفاكس هو كثافتها والاستخدام الملحوظ للكسرات فيها وهي تحتاج لوقت أطول حتى تذوب في الفم.
 

بعد ذلك أُتيح للشاب الحمصي فرصة العمل لدى محل وكيل لشركة Marble Slab Creamery بشكل مجاني بحسب نصيحة أحد أصدقائه الكنديين ليتعرف على طريقة الكنديين ومزاجهم في النكهات، واعتاد-كما يقول-على تصنيع عينات من البوظة على ماكينة بدائية الصنع في منزله.

 


 ويروي محدثنا أنه أجرى ذات مرة تجربة اختبار لمنتجه بين الكنديين ووزع 100 عينة على 100 شخص ضمن أحد النشاطات مع ورقة يكتب فيها الكندي رأيه دون إظهار الاسم تجنباً للإحراج أو المجاملة، فكانت النتيجة أن البوظة أعجبتهم-كما يقول- بنسبة 80 % مقابل 20% وجدوها عادية وتشبه الجيلاتو الايطالي أو الغربي عموماً.

 


ولفت جوخدار إلى أن العشرات من العروض انهالت عليه بعد ذلك من العرب المهاجرين والمقيمين من فترات طويلة في مدينة هاليفاكس ومن رؤوس أموال سورية وكل هذه العروض باءت بالفشل وكانت عبارة عن سراب، وحينها –كما يقول- عرض عليه أحد الأصدقاء دعمه بالمال اللازم لافتتاح محل خاص فقرر افتتاح محله "أميسا" تيمناً بالاسم القديم لمدينته حمص التي غادرها قبل خمس سنوات.