من دوما إلى البرازيل.. قصة نجاح "سلسبيل" في "ساوباولو"

من دوما إلى البرازيل.. قصة نجاح "سلسبيل" في "ساوباولو"
 

تتوزع على جدران بعض الأبنية الضخمة وسط مدينة "ساوباولو" البرازيلية العديد من الجداريات الضخمة، لكن جدارية واحدة تبدو مختلفة عن غيرها لامرأة محجبة تلفت أنظار العابرين وتثير فضولهم في حي Santa Cecília، فيتوقفون أمامها ملياً.

 

 


 وتعود هذه الجدارية للاجئة السورية "سلسبيل معتوق" التي تمكنت خلال سنوات من لجوئها إلى البرازيل أن تترك بصمة ونجاحاً مميزاً في عالم الطهي من خلال أطباقها التقليدية المتنوعة.

 

 


 وشاركت "سلسبيل" في العديد من برامج الطهي على التلفزيون البرازيلي ومواقع التواصل الاجتماعي. كما ظهرت مؤخراً في حملة لدعم اللاجئين تابعة للأمم المتحدة مما دفع الفنانة البرازيلية "راكيل بروست" إلى تكريمها ضمن مشروعها الفني في رسم الجداريات الضخمة كنموذج مشرّف للاجئين السوريين.

 

 


ولدت سلسبيل في مدينة جبلة الساحلية عام 1986 وانتقلت في سن السابعة مع عائلتها إلى السعودية بحكم عمل والدها كطبيب، وبعد أن أتمت السابعة عشرة لم تتمكن من دخول الجامعة هناك فانتقلت إلى الأردن لتدرس في قسم الصيدلة بجامعة عمان الأهلية لمدة 5 سنوات وبسبب عدم تمكنها من العمل بشهادتها عادت إلى سوريا عام 2009 وعملت في صيدلية خاصة بها في مدينة دوما.

 

 


 وبعد اندلاع الحرب اضطرت "سلسبيل" للخروج مع زوجها الصيدلاني سليم الناظر إلى الأردن، وحينها فكرت -كما تقول- لـ"اقتصاد"، بإيجاد بلد لجوء يمكنهم الإستقرار فيه، وقدموا طلبات إلى العديد من الدول الأوروبية كألمانيا وكندا دون فائدة، واقترح أحد معارف عائلتها البرازيل كوجهة لجوء بفضل برنامج التأشيرة الإنسانية الذي وضعته الحكومة البرازيلية آنذاك، وبالفعل انتقلوا إليها في كانون الأول من عام 2015.

 

 


وكانت الحياة هناك، في البداية صعبة،-كما تقول سلسبيل-، إذ لا تتكفل الحكومة البرازيلية بمساعدة اللاجئين وعلى اللاجىء أن يبدأ حياته فيها من الصفر.

 

 


 وواجهت سلسبيل -كما تقول- صعوبات في تعلم لغة البلاد الصعبة وبدأت بتعلمها من خلال الانترنت، إذ كانت هناك صعوبة في الالتحاق بكورسات لغة نظراً لبعد مكان سكنها عن وسط ساو باولو، وبدأت بالاختلاط مع البرازيليين واكتسبت من خلال ذلك الكثير من المهارات اللغوية.

 

 


 وروت محدثتنا أنها اهتمت منذ الصغر بالأشغال الفنية، وكانت تعتبر الطبخ مجالاً فنياً وابداعياً من ترتيب الصحن إلى التفنن في شكل الطعام ووضع نكهات جديدة في الأطباق. وفي الجامعة كانت تطبخ لزميلاتها في السكن الجامعي.

 

 


عند وصولها إلى البرازيل، وجدت سلسبيل أن هناك جالية عربية تحب الأكل العربي وتسأل عنه بشغف فتعرفت على جمعية برازيلية تهتم باللاجئين وبدأت بتنظيم بازارات لمساعدتهم وزيادة دخلهم في الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها البرازيل، وشاركت -كما تروي- في البداية من خلال تصميم أشجار زينة من الخرز، وطلب منها القائمون على الجمعية بعدها تجهيز أكلات شرقية وسورية تحديداً لعرضها في هذه البازارات، وكانت التجربة ناجحة جداً بكل المعايير–حسب قولها-، وبعد سنة ونصف طورت من عملها لتجعل منه مصدر رزق لعائلتها في ظروف اللجوء الصعبة، واعتادت على تحضير الأطباق في منزلها وتلبية طلبات السكان وإقامة حفلات الغداء والفطور للشركات والمشاركة في مهرجانات الطعام في "ساو باولو" والدعاية لمنتوجاتها من خلال صفحة أنشأتها على "فيسوك".

 

 


ولفتت الطاهية القادمة من جبلة، إلى أن ما ميزها في مجال الطبخ أنها اعتادت على الطهي كما كانت تفعل في بلدها، مستخدمة النكهات نفسها، ومن الأكلات التي دأبت على تحضيرها–كما تقول- ورق العنب والمحاشي والكبب بأنواعها والمعجنات والسبانخ بالجوز والشوربات بأنواعها، وإضافة التوابل والمنكهات غير المعروفة في البرازيل، إذ كانت توصي عليها من سوريا والأردن وغيرها من البلدان، خصيصاً لعملها، كالسماق والزعتر البري والفلفل الأسود والكمون والهال ودبس الرمان.

 

 



 ولفتت محدثتنا إلى أن منتجاتها لاقت إقبالاً لافتاً من قبل المجتمع البرازيلي وبخاصة الأثرياء في مدينة "ساو باولو" مضيفة أنها اعتادت على تحضير الأكل كما تحب أن تتناوله مما ساعدها على الوصول إلى شرائح واسعة من المجتمع البرازيلي، ولمست أن البرازيليين يحبون الأكل و"اللقمة العربية".

 

 


ذات يوم زارت المصورة البرازيلية "راكيل بروست" التي تعمل مع موقع "ناشيونال غرافيك" أحد البازارات التي شاركت فيها سلسبيل وعرضت عليها فكرة تصويرها وعرض الصورة كجدارية ضخمة في "ساو بالو" ضمن مشروعها الفني المسمى "جيدانشي"- أي (العملاق) الذي تعمل عليه منذ 10 سنوات، ويهدف إلى توثيق صور لأناس عاديين وفقراء ممن يعيشون في مناطق نائية ومهمشة وتعليق صورهم الكبيرة في الشوارع للفت الأنظار إليهم ومساعدتهم.

 

 


 وأضافت محدثتنا أن المصورة المذكورة اختارت تصويرها لتسليط الضوء على معاناة اللاجئين السوريين بين الحرب واللجوء والشتات ضمن برنامج وثائقي لناشيونال غرافيك، واستمر التصوير-كما تقول- حوالي أسبوع إلى أن اختارت الصورة المناسبة التي تم تعليقها بحجم كبير على أحد الأبنية الملاصقة لجسر"منيو كاو" -وسط سان باولو- ويتم إغلاق المبنى ليومي السبت والأحد كي يمارس الناس فيه نشاطاتهم الرياضية والترفيهية، كما عُرضت الفكرة في البرنامج المذكور.

 

 


وروت سلسبيل أنها ظهرت ذات يوم مع شيف برازيلية تُدعى "باولا" في برنامج للطبخ، وشاركت بطبق كبة لاقى الكثير من الإعجاب والاستحسان فتم دعوتها لتعليم البرازيليين تحضير الأكل العربي وبالفعل-كما تقول- تم تخصيص مركز لتعليم عدد من البرازيليات والبرازيليين أصول الطبخ، وتنوي أن تكون التجربة أكثر تنظيماً في السنة القادمة عندما تتاح لها الفرصة والإمكانيات.

 

 


 وأشارت محدثتنا إلى أن الشعب البرازيلي شعب لطيف ومضياف، ورغم الصورة السلبية المرتبطة بالبرازيل بأنها بلد المافيات والسرقات وعدم الأمان إلا أن البرازيليين محبون للآخرين ولديهم فضول بمعرفة تفاصيل حياة الآخرين، وكيف يعيشون، ويعرضون مساعدتهم.

 

 


ولم تخفِ الطاهية الثلاثينية وجود صعوبات في الحصول على عمل في البرازيل بالنسبة للوافدين حتى وإن كان اللاجىء يحمل شهادة علمية. وهناك-كما تقول- ضوابط وإجراءات معقدة للحصول على عمل أو وظيفة إلى جانب عائق اللغة وتكاليف المعيشة الباهظة.

 

 


ويشكل السوريون أكبر جالية من اللاجئين في البرازيل التي اتبعت سياسة "الباب المفتوح" أمام السوريين الراغبين في اللجوء إليها منذ سنوات، وبحسب بيانات اللجنة الوطنية للاجئين التابعة لوزارة العدل البرازيلية فإن البرازيل تستضيف في الوقت الراهن ستة آلاف و492 لاجئاً يحملون 80 جنسية، منهم ألف و739 سورياً، وألف و71 أنغولياً، و834 كولومبياً، و799 مواطناً من جمهورية الكونغو.