يدعون أنهم سوريون ويحتالون بهدف اللجوء

يدعون أنهم سوريون ويحتالون بهدف اللجوء

 داخل أحد مراكز الشرطة يجتمع أكثر من 70 لاجئا دخلوا بطريقة غير شرعية، في مجموعة تعتبر الأكثر عددا خلال الشهور المنصرمة، اذ جرت العادة أن تتألف تلك المجموعات من ثلاثين شخصا تقريبا.
وقضى الجميع أسبوعا في السجن بتهمة دخول البلاد بطريقة غير شرعية، ومن ثم تم تحويلهم إلى أحد المعسكرات في الشمال اليوناني والمعروف بــ»كامب فيلاكيو» والذي لا يختلف كثيرا عن السجن – الا بنظافة المقتنيات التي سيتخدمها اللاجئ خلال فترة إقامته -. لكنه نسخة طبق الأصل من السجن من حيث الأسلاك الشائكة والأقفال وعناصر الشرطة الذين يحملون أسلحتهم الفردية.
سبعون لاجئا قالوا إنهم سوريون فارون من الحرب والمعارك الدائرة في مختلف المناطق والمدن السورية، ينتمون لطوائف مختلفة وتوجهات سياسية متباينة. وغالبا لا يظهر أي منهم حقيقة تلك التوجهات، لكن ما يجمعهم كلهم هو الفرار من الحرب والقصف، والخوف من القتل أو الاعتقال والتعذيب، كما يجمعهم ادعاؤهم أنهم من سورية، إذ يعتقل اللاجئ السوري في اليونان مدة لا تتجاوز خمسة عشر يوما، بينما المهاجرون غير الشرعيين قد تصل مدة اعتقالهم إلى ستة شهور كاملة، وقد يفرج عنهم قبل ذلك وفق ما تراه المحاكم اليونانية.
أسامة محمد شاب قال انه سوري من دير الزور وبالتحديد من بلدة «مو حسن». وبعد أيام في السجن تم تحويله إلى المعسكر حيث افتضح أمره إذ اتضح أنه عراقي. وهو يقول: «لقد أتيت من العراق إلى إسطنبول التركية، وتعبت كثيرا حتى استطعت الوصول إلى اليونان، بل دفعت مبلغا كبيرا. ومنذ وصولي إلى إسطنبول حاولت تعلم اللهجة السورية، وجمعت كمية جيدة من المعلومات عنها وخاصة المنطقة التي ادعيت أنني أنتمي إليها، وساعدني على ذلك تشابه اللهجة العراقية مع لهجة أهالي دير الزور السورية كونها قريبة من الحدود العراقية».
ويضيف أسامة في حديثه لـ«القدس العربي»: «عندما وصلت إلى المعسكر أعطوني ورقة كتب عليها أنني سوري الجنسية وأدخلوني إليه. حينها اعتقدت أن الأمور جيدة وأنني قد نجوت من السجن. لكن الوضع اختلف مع حلول مساء اليوم الأول، إذ طلبت لإجراء مقابلة بعدما شك موظفو المعسكر في أنني لست سوريا، وهنالك احتمال آخر وهو أن يكون قد وشى بي أحد أفراد المجموعة التي قدمت معها».
ويتابع ان موظفي المعسكر قد أكثروا عليه من الأسئلة، ووصلت أسئلتهم حتى لأسماء رجالات الحكومة السورية، وأسماء المطربين السوريين بل وأغانيهم. ويحدثنا كيف أنه وصل إلى مرحلة من اليأس ووجد أن الاعتراف أفضل من الاستمرار.
ويقول: «تعبت من الاسئلة، بل أيقنت أن كثرتها كانت بسبب تأكدهم من أنني عراقي. فاعترفت بأنني من العراق وسمحوا لي بتوكيل محام ليتولى قضيتي. سأدفع للمحامي ألف دولار، لكن قالوا أنه بإمكانه أن يقنع المحكمة بالإفراج عني خلال شهر واحد بدلا عن ستة أشهر».
والتقت «القدس العربي» في المعسكر بأسرة عراقية مسيحية قال أفرادها انهم فروا من الحرب في العراق، وأنه لم يعد بإمكانهم الاستمرار في الحياة داخل العراق ضمن الظروف الحالية. ويقول آرا: «أتيت أنا وزوجتي وأطفالي وأمي وأبي المسنان هربا من الأحداث الدائرة في العراق. وادعيت أنني سوري ونجحت في ذلك، واقتنعت إدارة المعسكر أنني سوري من آشوريي الحسكة في شمال البلاد، وبهذا أخرج من هنا حاملا ورقة تسمح لي بالإقامة في اليونان لمدة ستة شهور خلالها أكون قد رتبت أمري وسافرت إلى أوربا».
يضيف آرا: «على الرغم من أن أكثر من نصف أفراد المجموعة من السوريين علموا بأنني عراقي، إلا أن أحدا لم يشِ بي، وتمنوا لي حظا جيدا. وبالفعل نجح الأمر ونجوت أنا وعائلتي من سجن لمدة ستة شهور في اليونان فقط لأننا عراقيون لا أكثر، لا أجد نفسي مذنبا في أنني ادعيت أنني سوري، فما يحدث في سورية والعراق متشابه جدا، وكلا الشعبين ضحية الحرب المجنونة تلك».
شاب كان يتحاشى الكلام يبقى صامتا دوما، ولدى حديثنا معه ومن أول جملة نطقها تبين من لهجته الواضحة أنه مصري، وأخبرنا أنه ادعى بأنه سوري خوفا من السجن. لكنه حاول تبرير الموقف بأسلوب غير مقنع وقال: «أنا مصري لكنني عشت في سوريا ثمانية عشر عاما» في حين أن عمره لا يتجاوز العشرين عاما، ولو كان ادعاؤه صحيحا لتحدث باللهجة السورية. إلا أنه أخبرنا أنه قد لا ينجو وقد يفتضح أمره إذ أن إحدى الموظفات في المعسكر وهي مترجمة، مصرية الجنسية، ولا بد أنها اكتشفت أن الشاب ليس بسوري قط».
أكثر من مئة شخص من جنسيات مختلفة التقينا بهم في معسكر «فيلاكيو» معظمهم مهاجرون غير شرعيين وصلوا إلى اليونان وتم سجنهم، البعض كانوا من باكستان، ومن غانا، وكثير من العراقيين، والمغاربة، والجزائريين، إلا انهم كلهم يدركون أنهم سيخرجون يوما من السجون، ويصلون إلى حلمهم الكبير: أوروبا.