المسرح.. وسيلة للاجئين السوريين لنشر الفرح في مخيم الزعتري

المسرح.. وسيلة للاجئين السوريين لنشر الفرح في مخيم الزعتري

أخذت نفساً عميقاً وتحديت نفسي لنطق الكلمات الختامية لأسبوعنا معاً، مقتبسة عن رجل ولد في بيت جالا في فلسطين: "والدي كان يقول لي دوماً إن السوريين هم الأكثر تطوراً والأذكى والأكثر اجتهاداً والأجمل بين كل العرب".

تقول الكاتبة تانوشكا مرح في تقرير لموقع "ميدل إيست آي(link is external)" البريطاني، أمس السبت وترجمته "السورية نت" بعد زيارة إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين في الأردن، كان الهدف منها هو تعليم المعلمين التهريج والكوميديا والمهارات المسرحية الأساسية.

وتابعت مرح موجهة كلماتها لسوريين في المخيم:" المرة الأولى التي رأيت فيها الحب العميق والفخر الوطني في القلب السوري: "لستم لاجئين – إنكم فنانون عظماء"، مشيرة: " كان لي الشرف العظيم بأن أعمل معكم".

وتضيف: "أنهينا أسبوعنا من الضحك بالدموع والعناق، وبالحقيقة التي لا تحتمل بأني عائدة إلى بيتي في إنكلترا وهم باقون هنا بين الرمال".

"كلنا من سوريا"

لقد دعيت من قبل منظمة "مهرجون دون حدود" البريطانية للعمل في مجمع تابع لمنظمة الإغاثة الفنلندية في الزعتري، المخيم الذي يضم أكثر من 80,000 لاجئ في الأردن والمستمر بالنمو. كان الهدف هو تعليم المعلمين التهريج والكوميديا والمهارات المسرحية الأساسية، تقول مرح.

مترجمنا، بسام الجابر، قابلنا هناك، هو يعرف كل المؤدين والأطفال الذين أتوا للمشاهدة والانضمام. مع قميصه المكوي بعناية ونظاراته وجاكيت التطوع الذي يرتديه، افترضت أنه متطوع من الأردن، يقول: "من سوريا بالطبع"، أجاب، مصححاً إياي، "كلنا من سوريا".

الجابر من درعا، التي استعادتها قوات بشار الأسد بدعم روسي الصيف الماضي من سيطرة المعارضة السورية، ولكنه يبدو وكأنه "أحد أعمامي، وأتحدث إليه بالاحترام الذي تعلمته بطفولتي".

عند رؤيتي للأطفال المتسخين وهم يركضون ويتحلقون حول الرمال، انتابني شعور غريب بأنهم أحرار أكثر من أطفالي في المملكة المتحدة، الذين تحيطهم الحماية والراحة في الضواحي.

وتكمل مرح، أثناء حديثي مع الجابر، أدركت كم أن وسم "اللاجئ" بلا معنى لوصف كامل هوية الشخص، يقول:"حصلت على الماجستير في الأدب الإنكليزي.. أنا طبيب نفسي"، مضيفاً: "انظري، (رفع نظارته)، كل الكتب التي قرأتها جعلتني أحول العينين!".

العلم والعمل

تقول الكاتبة: "كل من يتوقع أن يجد لاجئين منتظرين للصدقات سيخيب أمله.. الجميع أذكياء"، حيث ارتدت الفتيات ملابس وزينة متناسقة، وكان الكل فخورين بالعالم الذي أنشأوه في الصحراء شمالي الأردن.

وتشير إلى أن منح الحكومة الأردنية رخص العمل للاجئين الذين يتمكنون من إيجاد وظيفة خارج المخيم قدم دعماً لكرامة الناس الشخصية. كما تفتح الجامعات الأردنية في المساء للسوريين، مع أخذ المدربين للشبان والشابات إلى عمان للدراسة والعمل. هنالك مركز للعمل في المخيم و13 مدرسة. لا يكفي هذا العدد ولكن الآن، على الأقل، أكثر من 60 بالمئة من الأطفال يحصلون على التعليم.

قال الجابر: "هنالك فقط كلمتان لوصف الحياة هنا في الزعتري: حياة كاملة"، الجابر كان من ضمن أوائل من وصلوا إلى المخيم حينما كان مجرد بحر من الخيام، اليوم أصبح يشبه المدينة أكثر. "يمكنك الآن الحصول على كل ما تريدينه هنا، ما عدا السيارة.. لدينا السوق الأكبر في العالم، يزيد طوله عن ثلاثة كيلومترات.. مطاعم، مقاهي، معدات إلكترونية، ملابس مستعملة".

التهريج والدراما والتمثيل، الذي تعلمه الجمعيات الدولية غير الحكومية هام للغاية للأطفال هنا، قال الجابر: "كلنا هنا في المخيم نبحث عن المرح وعن الحياة الطبيعية".. لكن الصدمة التي عانى منها البالغون والأطفال الفارون من عنف الحرب ما تزال حاضرة. قال الجابر: "حينما سمع الأطفال صوت الطائرات الأردنية، انبطحوا على الأرض وصرخوا.. إننا نحاول جعلهم ينسون ذلك يوماً بيوم".

قصص نجاح

تم تشكيل "السيرك الدولي السوري" في الزعتري عام 2013، بدعم من منظمات إغاثية بداية، أتى سيرك نابلس من فلسطين لأربعة أشهر، ومن ثم أتى سيرك "ماغينتا" من فنلندا لمدة ثلاثة أشهر، ويضم "السيرك  السوري"  حوالي 12 مؤد شاب يعملون على تدريب أطفال آخرين في المخيم، مقدمين إليهم كل ما تعلموه من الشركات الزائرة. قرابة 200 فتاة وصبي تلقوا التدريب حسبما قال الجابر.

منى، 22، قضت في الزعتري خمس سنوات، مدربة في السيرك، وتحمل أيضاً شهادة في إدارة المشافي وتأمل تطوير مهاراتها كي تتمكن من السفر مع السيرك خارج المخيم: "أحلم أن أبني شركة (سيرك) خاصة بي".

ومن السكان الآخرين للمخيم – فتاة صغيرة جدية، عمرها ثمانية أعوام، ذات صوت أجش – تغسل يديها بعناية بالغة قبل كل وجبة. وهي ترتدي الجينز وكنزة ذات قبعة، أرتني مهاراتها الخاصة بالسيرك، مؤدية شقلبات خلفية عبر غرفة التدريب الكبيرة. بعد أسبوع من العمل معها، شاهدتها وهي تستمتع وتضحك على المشاهد الكوميدية التي أنتجناها.

قال الجابر: "إنها إحدى قصص نجاحنا"، واصفاً كيف أن الفتاة الصغيرة قد شهدت تعرض أعمامها وعماتها لإطلاق النار في بيتها في درعا. الفتاة تمكنت من الفرار برفقة أختها وأمها، ولكن الإصابات التي عانتها أمها تركتها عاجزة.

مع كل المرح الذي كنا نحظى به، من السهل نسيان قصص الرعب التي شكلت الزعتري. هذا هو المخيم الأكبر للاجئين السوريين، والذي افتتح في يوليو/ تموز من عام 2012 والذي بعد أقل من عام على افتتاحه، ضم 60,000 من الأشخاص الفارين من الحرب.

قال الجابر: "أشعر أن الناس الذين من خارج الأردن قد نسوا قصتنا وقضيتنا... إننا مجرد أرقام إما تعرضت للقتل أو تمكنت من النجاة".

لحظة استثنائية من الأمل

كان هنالك مُهرجان في فرقتنا من المؤدين حصلا على أكثر الضحكات – شكلا عرضاً شبيهاً بعرض لوريل وهاردي (ثنائي كوميدي أمريكي من ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي)، ولكن كلاهما بدينان مثل هاردي.

في نهاية الأسبوع، توجهت إلى السيارة لمغادرة المخيم وأحدهما، محمد الكفري، كان جالساً في المقعد الخلفي، وهو يؤدي دور طفل يشعر بالملل في رحلة طويلة بالسيارة. أومأ إلي بوجه خال من التعبير ونظر خارج النافذة.

بدأنا القيادة تجاه المخرج المشدد الحراسة وفي اللحظة الأخيرة قفز خارجاً ولوح مودعاً، مشيراً إلى خيمته: "بيتي، بيتي".

وتختم الكاتبة : "مثل كل قصص الكوميديا الجيدة، أداء الكفري الصغير شرح قلبي قبل أن يكسره.. بينما قدت عائدة إلى الفندق قبل رحلة العودة إلى المملكة المتحدة، أدركت أن لحظة الأمل الاستثنائية لهذا الأسبوع ما هي إلا قطرة صغيرة في محيط من الظلم".