التهريب إلى تركيا.. رحلة السوريين مابين الحياة والموت

التهريب إلى تركيا.. رحلة السوريين مابين الحياة والموت

ﺗﺴﺘﻤﺮ ﻣﺤﺎﻭﻻﺕ ﺍﻟﺪﺧﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﻃﺮﻕ ’’ﺍﻟﺘﻬﺮﻳﺐ‘‘ ﺭﻏﻢ ﺍﻟﻤﺨﺎﻃﺮ ﺍﻟﻤﺤﻔﻮﻓﺔ ﺑﻬﺎ، ﻭﺍﺣﺘﻤﺎﻟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺃﺛﻨﺎﺀ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻓﻀﻞ، ﻫﺮﺑﺎً ﻣﻦ ﺟﺤﻴﻢ ﺍﻟﻘﺼﻒ ﻭﺍﻟﻔﻘﺮ، حيث ﺑﺎﺕ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻳﺼﻔﻮﻥ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻌﻤﻠﻴﺔ ’’ﺍﻧﺘﺤﺎﺭ‘‘ ﻭﺗﻤﻨﻰ ﺁﺧﺮﻭﻥ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻣﺮﺍﺕ ﻋﺪﺓ ﻣﻊ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﺑﺎﺀﺕ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ، ولاحظنا تزايد محاولات الدخول إلى تركيا بعد كل عملية تهجير إلى الشمال السوري.

’’أبو عمر‘‘ وهو ‏من مهجري محافظة درعا ﻭواﺣﺪ ﻣﻦ ﺍﻵﻻﻑ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺣﺎﻭﻟﻮﺍ ﺍﻟﻮﺻﻮﻝ ﻣﺆﺧﺮﺍً ﺇﻟﻰ ﺗﺮﻛﻴﺎ، حيث ﺳلك ﻃﺮﻕ ’’ﺍﻟﺘﻬﺮﻳﺐ‘‘ ﻣﻦ ﻣﺤﺎﻓﻈﺔ ﺇﺩﻟﺐ ﺷﻤﺎﻟﻲ ﺳﻮﺭﻳﺎ.

وينحدر أبو عمر من ﻣﺪﻳﻨﺔ درعا البلد، ﻭﺑﺪﺃﺕ ﺭﺣﻠﺔ ﻣﻌﺎﻧﺎته ﻋﻨﺪﻣﺎ ﺗﺮك ﻋﺎئلته في المنطقة، ﻭﺍنطلق بقوافل التهجير ﻧﺤﻮ ﺇﺩﻟﺐ ﺑﺮﻓﻘﺔ زملائه وأصحابه، ﺃﻣﻼً ﺑﺪﺧﻮﻝ ﺗﺮﻛﻴﺎ ﻟﻤﻼﻗﺎﺓ الأمن والأمان بعيداً عن إجرام نظام الأسد.

وتحدث أبو عمر في حديثه لحرية برس، ﻋﻦ رحلته ﻭﻣﺤﺎﻭﻻته ﺍﻟﺜﻼﺙ ﺍﻟﺘﻲ ﺑﺎﺀﺕ ﺑﺎﻟﻔﺸﻞ قبل نجاحها في المرة الرابعة، ﻭﻋﻦ ﻛﻤﻴﺔ ﺍﻟﺒﺆﺱ ﻭﺍﻷﻣﻨﻴﺎﺕ ﺑﺎﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺘﻲ يملكها ﻭﺣﺠﻢ ﺍﻟﻤﻌﺎﻧﺎﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻋﺎشها.

’’لا أنصح أحد بتكرار محاولتي‘‘، هكذا ﺑﺪأ ’’أبو عمر‘‘ ﺣﺪيثه، موضحاً ’’بعد وصولنا إلى إدلب اتجهت إلى المناطق الحدودية لتركيا، وبدأنا بالبحث عن طرق التهريب، ولقد أخترنا مُهرّب من منطقة دركوش غربي المحافظة، وحاولنا في المرة الأولى، ولكن عندما وصلنا لنقطة الإنطلاق أخبرونا بأن الجندرما التركية منتشرة بشكل كبير ولم يكن بمقدورنا العبور يومها‘‘.

وأضاف ’’أبو عمر‘‘، أنه ’’تم تأجيل المحاولة ليوم أخر وعندما حاولنا المرة الثانية كان عن طريق يسمى (الدرية) وهو طريق تسلق جبلي بحدود ثلاث ساعات، تسلقنا حينها في وادي ولم استطع المتابعة يومها، جلست في منتصف الطريق ورجعت مع بعض الأشخاص الذين لم يستطيعوا إكماله لشدة صعوبته، إلا أن البعض الآخر تابع المسير‘‘.

وكانت المحاولة الثالثة عندما دفعت مبلغ أكثر من ذي قبل، حيث أخذنا المهرب على طريق أسهل مما سبقه، وكان مسيرنا فيه 10 دقايق، تسلقنا من فوق جدار بأرتفاع 280سم بعد أن وضعنا السلالم، ثم مشينا إلى الجهة التركية بحدود الـ10 دقايق أيضاً، لحين بدأت لحظات الفجر بالأراضي التركية، عندها إنتظرنا لحين قدوم المهرب الثاني لنقلنا إلى مدينة الريحانية ومن ثم إلى المكان الذي نود التوجه إليه في تركيا، حسب ما وصفه أبو عمر.

ولفت أبو عمر أيضاً إلى أنه في المحاولتين الأولى والثانية كان يدفع مبالغ مالية بحدود الـ1300 دولار، ولكنه عندما دفع 2500 دولاراً، كان التهريب من الطريق السهل إلى الأراضي التركية، حسب قوله.

من جهته، أفاد ’’أبو عبدو‘‘ وهو مهرب في منطقة أطمة، عن تكلفة طرق التهريب لديه، ’’هناك طريق تهريب سير ثلث ساعة وتسلق الجدار الحدودي بتكلفة 600 دولار وصولاً الى مدينة الريحانية، يخرج في الدفعة معي 10 اشخاص من هذا الطريق‘‘، موضحاً أنه تم القاء القبض على مجموعتين من الذين أدخلهم في الطريق ذاته.

وبحسب أبو عبدو، ’’يوجد طريق تهريب يقال له (إذن عسكري) بتكلفة من 1600 – 3000 دولار، وتختلف طرق الإذن بين تسلق الجدار الحدودي والمسير لمسافة نصف ساعة، ومن نهر العاصي سيراً 10 دقائق، ويوجد طريق فتحة من دون جدار مسافة 500 متر بـ1700 دولار‘‘.

وقال أبو عبدو في حديثه، ’’ليس لدينا تأمين للاجئين، طرق التهريب تكون حسب (تيسير رب العالمين)‘‘، على حد تعبيره، مضيفاً ’’لكننا نحاول قدر المستطاع إخراجهم من الأماكن الأكثر أمان وسهولة‘‘.

وأضاف أبو عبدو أن ’’معظم الذين يتم إلقاء القبض عليهم أثناء محاولات العبور يتم ضربهم وإعادتهم للأراضي السورية، وهناك بعض الحالات يتم إطلاق النار في الهواء وأحيانا آخرى بشكل مباشر على اللاجئين إذا كان التهريب ليلاً‘‘.

ووصف أبو عبدو مثالاً على حالة إطلاق النار على اللاجئين أثناء محاولات العبور على المدعو ’’عدنان الدنحة‘‘ وهو أحد مهجري درعا من منطقة اللجاة، عند محاولته العبور من منطقة عقربات تم إطلاق النار عليه من قبل الجندرما، مما أدى لموته، وثم بعثوا به إلى معبر باب الهوى.

من جانبه، ذكر الشاب ’’محمد‘‘ وهو من مدينة الحراك في درعا وأحد المهجرين إلى الشمال السوري، قائلاً: ’’لقد ﺍﺿﻄﺮﺭﺕ ﻟﺪﺧﻮﻝ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﺘﺮﻛﻴﺔ بعد تهجيري من درعا، بعد أن بحثت ﻋﻦ (ﻣﻬﺮﺏ) ﻳﺴﺎﻋﺪﻧﻲ ﻭﻃﻠﺐ ﻣﻨﻲ ﻣﺒﻠﻎ قدره 450 ﺩﻭﻻﺭاً، من طريق تم فتحه يومها ولم أتوقع أني سوف أستطيع العبور يومها، حيث كان الطريق من قرية خربة الجوز عبر نهر العاصي‘‘، موضحاً أن المياه غمرت أجسامهم لفوق بطونهم بقليل، وكانوا مايقارب 150شخص بينهم نساء وأطفال، لافتاً إلى أن الطريق قد كشف بعدها وألقي القبض على 70 شخص.

وتتعدد مخاطر التهريب بين القتل برصاص الجندرما التي تشهدها الحدود التركية السورية، حيث وثقت حالات وفاة نساء وأطفال على الحدود، إضافة إلى غدر المهربين، ومشقة الطرق وتلقي الضرب والإهانة من عناصر الحدود التركية، بالإضافة إلى الأعباء المادية والمبالغ الباهظة التي يطلبها المهربين.

ﻭﻣﺎ ﺯﺍﻝ ﺍﻟﻼﺟﺌﻮﻥ السوريون ﻳﺘﺪﻓﻘﻮﻥ ﻳﻮﻣﻴﺎً ﻣﻐﺎﺩﺭﻳﻦ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ ﺍﻟﺴﻮﺭﻳﺔ ﻫﺮﻭﺑﺎً ﻣﻦ ﻭﺍﻗﻊ ﻣﺮﻳﺮ ﻭﺑﺤﺜﺎً ﻋﻦ ﻟﻘﻤﺔ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﻓﻲ ﺩﻭﻝ ﺍﻟﺠﻮﺍﺭ، ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻏﻠﻘﺖ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻤﻨﺎﻓﺬ ﺍﻟﺤﺪﻭﺩﻳﺔ ﺃﻣﺎﻣﻬﻢ ﻟﺘﺼﺒﺢ ﺳﻮﺭﻳﺎ ﻋﺒﺎﺭﺓ ﻋﻦ ﺳﺠﻦ ﻛﺒﻴﺮ ﻳﺘﻌﺮض ﻣﻦ ﻳﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻳﻐﺎﺩﺭها ﺇﻟﻰ ﻋﻘﻮﺑﺔ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻫﻮ ﻳﺴﻌﻰ ﺇﻟﻰ ﺣﻴﺎﺓ ﺃﻓﻀﻞ.