- المصدر: Daily Sabah
- 5443 قراءة
مشروع إنمائي متكامل لإيجاد حلول مستدامة للاجئين في تركيا
تستضيف غازي عنتاب، المدينة الصناعية المترامية الأطراف على الحدود الجنوبية التركية مع سوريا، أكبر عدد من اللاجئين السوريين بعد إسطنبول. الأمر الذي يستدعي وجود مشاريع ومبادرات لتلبية احتياجات اللاجئين والمجتمعات المضيفة لهم.
فريق "ديلي صباح" في رحلته الصحفية إلى هناك تحرى عن إطلاق مشروع جديد بهذا الخصوص. وتمكن الفريق من التحدث مع رواد الأعمال السوريين والأتراك ورجال الأعمال حول تأثير هذه المبادرات. وكانت ورشة عمل ومؤتمر لمدة يومين قد عقدا في غازي عنتاب، الأسبوع الماضي في 30-31 يوليو. وجاءت هذه الفعاليات، كجزء من مشروع "مرونة" التركي الذي تم تنفيذه استجابةً للمشروع الذي ينفذه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حول الأزمة السورية، بالتعاون مع وزارة الصناعة والتكنولوجيا، بهدف وضع خرائط طريق لمختلف القطاعات ومناقشة أساليب جديدة في الصناعة التحويلية.
في خطابها الافتتاحي تحت عنوان "ورش العمل حول خرائط طرق القطاعات المستهدفة"، قالت سحر الجشي (Seher Alacacı)، مساعدة ممثل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تركيا، إن البرنامج يستهدف مجموعتين: أولاً السوريين، الذين فروا من ويلات الحرب ولجأوا إلى تركيا، وثانياً المجتمعات والبلديات التي تأثرت بسبب النمو السكاني السريع.
وقالت: "نهدف من هذا المشروع إلى المساهمة في خلق مرونة اقتصادية واجتماعية وثقافية ومؤسسية وفردية لكلتا المجموعتين".
ويمكن تصنيف أهداف المشروع ونطاقاته إلى ثلاثة مجالات رئيسية:
1. التدريب المهني والتقني.
2. دورات اللغة التركية لـ 52.000 سوري.
3. تحسين الخدمات البلدية لأكثر من 307.000 أشخاص.
يذكر أن مشروع "مرونة"، أطلق في فبراير 2018، بتمويل من الصندوق الائتماني للاتحاد الأوروبي بميزانية قدرها 50 مليون يورو. وحول تفاصيل المشروع قالت الجشي: "هدفنا هو خلق المزيد من فرص العمل في 11 ولاية، وتوفير فرص عمل لـ 2000 شخص، 50% منهم سيكونون من السوريين والباقي من المجتمعات المضيفة، في غضون عامين".
وأكدت أنه في نطاق هذا المشروع، سيتم تدريب السوريين والمجتمعات المضيفة على تنظيم المشاريع، وأنشطة مختلفة تهدف إلى زيادة الوعي حول قضايا مثل خدمات التوظيف، ودعم مشاركة المرأة في سوق العمل على مدار السنة.
وقالت الجشي إن التدريب اللغوي هو عنصر هام آخر في المشروع، لأنه يزيل واحداً من أكبر الحواجز التي تواجه السوريين في عالم الأعمال، ويساعدهم في الحصول على عمل رسمي.
كما أعلنت أن مراكز الكفاءة والتحويل الرقمي في كل من إزمير ومرسين وغازي عنتاب -حيث يقيم عدد كبير من السوريين- ستبدأ العمل هذا العام، مما يساعد على رفع مستوى الوعي حول ما يسمى بـ"الثورة الصناعية الرابعة" والتحول الرقمي، وذلك من خلال التدريب النظري والعملي للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، و تقديم الخدمات الاستشارية للشركات لتحقيق التصنيع الممنهج. وأضافت أن هذه المراكز سترفد المشروع الرئيسي، وستوفر ما يقدر بنحو 75.000 فرصة عمل.
وأضافت "سيتم إنشاء هذه المراكز لزيادة إنتاجية الشركات، وتوفير الدعم الفني اللازم لإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية، ودعم إمكاناتها في خلق وظائف جديدة".
كما سيتم تقديم الخدمات الاستشارات والتوجيه مجاناً لخمس شركات أو أصحاب أعمال ضمن أربعة قطاعات، هي الآلات والمعادن، والكيماويات والبلاستيك، والأغذية، والمنسوجات. وعند انتهاء التدريب سيكون بمقدور الشركات المختارة أن تطور استراتيجيات العمل، وأن تدخل الاسواق العالمية، وتحقق إنتاجاً أكثر كفاءة، كما سيكون لديها أساسيات الابتكار والإبداع.
وأشارت الجشي إلى أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في تركيا، يقدم أيضاً الدعم التقني لوزارة الصناعة والتكنولوجيا لمساعدة منطقة "بولاتيلي شاهين بيه" الصناعية المخطط إنشاؤها، على جذب المستثمرين المحليين والدوليين وإنتاج منتجات ذات قيمة مضافة عالية.
الدخول في حياة جديدة:
في حديثها لصحيفة ديلي صباح، قالت الجشي إن التقييمات والتقارير سيتم إعدادها رسمياً بعد انتهاء المشروع. وستترجم النتائج إلى خرائط طرق لكل القطاعات المستهدفة. وسيساعد ذلك الحكومة التركية والمنظمات الدولية على تقييم القطاعات والمجالات التي يمكن أن تستفيد بشكل أفضل من توظيف السكان السوريين وتصنيف مهاراتهم، لتوجيههم في الاتجاه الصحيح في عالم الأعمال.
وقالت "الجشي" إن الأزمة السورية تدخل عامها التاسع هذا العام. في هذه المرحلة، أصبح التكامل الاجتماعي والاقتصادي أكثر أهمية لأنه من غير المحتمل أن يتمكن السكان السوريون من العودة إلى بلدهم في المستقبل القريب. وأضافت:
"علينا أن نستخدم هذا المورد البشري بفعالية، لتقديم إسهامات إيجابية في الاقتصاد التركي. لهذا السبب في كل المشاريع والأنشطة التي نقوم بها، يكون السوريون والمجتمعات المضيفة هم الشريحة المستهدفة، كي يتمكنا معاً من تحقيق التناغم والتماسك الاجتماعي"، مضيفةً أنه بهذه الطريقة، ستساعد الأموال المخصصة للسوريين أيضاً، في نمو الاقتصاد المحلي والبلديات والمجتمع المضيف.
وأشارت "الجشي" إلى أن هذه الاستراتيجية ستساعد أيضاً في تجنب التوترات المحتمل نشوؤها بين الشعبين حول قضايا مثل التوظيف. قائلةً:
"حيثما توجد اختلافات ثقافية أو اختلافات في ثقافة العمل أو الثقافة الأسرية، سيكون هناك صراع. نحاول خلق بيئة عمل يمكن من خلالها للمجتمع السكاني أن ينمو، ضمن ثقافة مشتركة تتجاوز الاختلافات".
وأضافت أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، سيوفر أيضاً إرشادات للشركات السورية ورجال الأعمال لمساعدتهم على الدخول في بيئة الاستثمار الوطنية والدولية.
وفي معرض التأكيد على حصولهم على العديد من التطبيقات لتنفيذ مشاريع لمساعدة السوريين، قالت "الجشي" إنهم يبحثون عن أفكار ومشاريع مستدامة وطويلة الأجل تستند إلى شراكات تتماشى مع الأهداف والأولويات الإنمائية لتركيا.
وحول دعم المشروع مالياً عبرت "الجشي" عن خيبة أمل، إزاء حجم التمويل الذي تلقوه من المتبرعين، لأنه لا يزال غير كافٍ.
وقالت: "بعض المتبرعين يريدون نتائج فورية، لذلك يتبرعون تجاه المساعدات الإنسانية الطارئة، لكننا نحاول من خلال هذا المشروع الوصول إلى خطة تنمية طويلة الأجل، ونقل هذه الاستراتيجية إلى جدول الأعمال الوطني والدولي".
عثرات على الطريق:
عندما سئلت "الجشي" عن نوع الصعوبات التي واجهوها في بداية المشروع، أجابت بأن العقبة الأكبر هي الافتقار إلى آليات التنسيق على المستوى الوطني والمحلي.
وقالت إن المشكلة الأخرى التي واجهوها نابعة من حقيقة أن اللاجئين السوريين ليسوا متجانسين وأن احتياجاتهم متنوعة. وأوضحت:
"لا يمكننا القول إن هذه هي بالضبط احتياجات جميع السوريين، لأن كل مجموعة فرعية لها احتياجات مختلفة، وهذه المشكلة وحدها تخلق عدم التماسك الاجتماعي". وأشارت إلى أن الحلول التي تركز على مجال معين، أو قطاع معين في هذه الحالة، حققت نتائج أفضل وأكثر إنتاجية.
كما أبرزت "الجشي" الحاجة إلى سياسات تراعي المجتمع المضيف المحلي أيضاً، قائلةً: "النموذج الذي نتوقعه من أجل إزمير لا يتناسب مع غازي عنتاب، وقد لا يكون النموذج الموجود في غازي عنتاب هو الأفضل لولاية كهرمان مرعش".
وباعتباره المنظمة الدولية الأطول خدمة في تركيا، فقد أراد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إجراء تقييم للنتائج في نهاية المشروع وفي السنوات التالية، بهدف رؤية التغيرات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة.
"يجب أن تشكل غازي عنتاب جزءاً أكبر من رؤية تركيا المستقبلية":
قال "عدنان أونفيردي" رئيس غرفة الصناعة في غازي عنتاب، إنه من خلال 7 مليارات دولار من الصادرات في عام 2018 و 3.6 مليار دولار من قيمتها في الأشهر الستة الأولى من عام 2019، ينبغي أن تلعب غازي عنتاب دوراً أكبر في رؤية تركيا المستقبلية، بسبب بنيتها التحتية الصناعية ومجموعة القطاعات المتنوعة وإمكانات القوى العاملة، وموقعها الجغرافي السياسي.
كما أكد أن غازي عنتاب، باعتبارها بوابة طريق الحرير التاريخي إلى الأناضول، تواصل دعم الاقتصاد الوطني بفضل المشاريع الريادية ومستويات الإنتاجية العالية.
وأوضح أنه بعد تخديم المنطقة الصناعية المنظمة في "ولاتلي شاهين بيه" المخطط لها، بطريق سريع يضم نفق "حسا دورت يول" ليصلها بميناء اسكندرون، ستقصر المسافة بينها وبين الميناء لتصبح 87 كم فقط، مما يمهد الطريق إلى أن تصبح غازي عنتاب مركزاً تجارياً دولياً يربط بين آسيا وأوروبا".
وشدد على أن انتهاء الأزمة في سوريا سيمهد لظهور استثمارات كبيرة في هذه المنطقة، قائلاً: "أولئك الذين يستثمرون في هذه المنطقة اليوم سيكونون الفائزين في الغد".
وأضاف:
"بالرغم من الصعوبات التي نواجهها في المنطقة، تستمر صادراتنا من غازي عنتاب إلى سوريا في الازدياد يوماً بعد يوم. نود بالطبع زيادة حجم أعمالنا. ولتحقيق ذلك، نعمل على تعزيز صناعة مدينتنا وزيادة القوة الوظيفية لدينا. وكجزء من هذا الهدف، نأمل أن نساهم في ورش العمل التي تهدف لوضع خرائط طرق قطاعية وكذلك في المؤتمرات التي تدعم الأساليب الجديدة في التصنيع. نعتبر أن كل خطوة أو مشروع يدعم تطوير صناعتنا، ذو قيمة كبيرة".
ووفقاً لـ"أونفيردي"، فإن رجال الأعمال السوريين من خلال الدخول في شراكات جديدة مع نظرائهم الأتراك وتطوير فعالياتهم في غازي عنتاب، لن يخلقوا فرص عمل جديدة للسوريين فقط، بل سيساعدون أيضاً في إعادة بناء بلدهم الذي مزقته الحرب.
وصرح "مصطفى كمال أكغول"، رئيس قسم الإنتاج بالإدارة العامة للصناعة والإنتاج بوزارة الصناعة والتكنولوجيا، أنه ضمن نطاق البرنامج، قامت المصانع النموذجية في كل من غازي عنتاب وأضنة ومرسين وإزمير، بتسريع جهودهم لفتح مراكز الكفاءة التي تحدد مهارات الأداء.
وقال إن مركز التخطيط والتحويل الرقمي في غازي عنتاب سيتم افتتاحه خلال شهر ديسمبر.
وأضاف: "كجزء من هدفنا المتمثل في توفير 2000 فرصة عمل، تم حتى الآن توفير التدريب لحوالي 1000 شخص"، مكرراً أهمية تعزيز الصناعة وكذلك الحفاظ على الوظائف الحالية. وأوضح قائلاً: "استفاد من هذه التدريبات قرابة 650 شخص من رجال الأعمال في كل قطاع".