- المصدر: عنب بلدي
- 6010 قراءة
التسويق الإلكتروني.. مهنة “جدلية” تستقطب سوريات في تركيا
لم يعد عمل واحد يكفي بشرى (30 عامًا) لإعالة أطفالها الأربعة، بل احتاجت عملًا آخر تزيد به دخلها، وتسد احتياجات عائلتها، خاصة أن زوجها يعاني من “الديسك” ولا يستطيع أن يعمل ليسهم في تأمين مصروف المنزل.
لا تحمل بشرى حنورة شهادة جامعية، لذا فهي لا تستطيع أن تعمل في مجالات تخصصية، أو في مؤسسات تطلب شهادات جامعية كشرط للتوظيف، لذا وجدت في التسويق الإلكتروني حلًا لمعضلتها، على اعتبار أنه عمل تستطيع أن تؤديه من منزلها، ولا يحتاج إلى خبرات مهنية أو علمية.
“بعد خروجنا من سوريا اختلفت سبل الحياة علينا وتعددت مسؤولياتنا”، تقول بشرى التي تقيم في مدينة غازي عينتاب التركية، لعنب بلدي، مبررة دوافعها للعمل في التسويق الإلكتروني الهرمي، وهو عمل “جدلي” رغم سعة انتشاره بين السوريات في تركيا.
تروّج بشرى من خلال عملها مستحضرات تجميل للنساء، من كريمات للبشرة ومساحيق تجميل وعطور، ويتم عملها عبر مجموعات “فيس بوك” وغرف “واتساب” خاصة وعامة، إذ تنشر المشرفة على عملها عرضًا على مجموعة ما، وتنشره بشرى في مجموعات أخرى، أسستها بمفردها وحشدت فيها مجموعة من الزبائن لعرض المنتجات عليهن.
قناة توظيف تسد حاجة
مع تزايد عدد السوريين في تركيا، وتكوّن مجتمع سوري ضمن مجتمع مضيف أكبر، برزت الحاجة إلى تبادل الخدمات والمنتجات، فظهرت كثير من الشركات التي تبحث عن الأرباح بأقل قدر ممكن من التكاليف.
تسوّق بشرى منتجات شركة سويدية، وهي واحدة من الخدمات التي تقدمها شركة التسويق التي تعمل ضمنها.
عنب بلدي حاولت التعرف أكثر إلى نمط عمل مثل هذه الشركات، فتواصلت مع المتخصصة في التجارة الإلكترونية، جمانة رياض، التي وضحت الصعوبات التي تواجهها في التعامل مع هذه الشركات.
تقول جمانة رياض، “تفتقر هذه الشركات إلى خطة تسويقية، ولا تفرّق بين المبيعات والتسويق، والتسويق الإلكتروني”، مشيرة إلى أنها (الشركات) توظف أشخاصًا دون دفع مبالغ جيدة، من مبدأ أن المطلوب منهم “منشورات فيس بوك”.
وانطلاقًا من هذا المبدأ، ولسهولة العمل المطلوب، أقبل شبان وشابات سوريين، على مثل هذا العمل بحثًا عن بيئة عمل جديدة، ولتحقيق دخل إضافي، ولو كان بسيطًا، لكنه يدعم أعمالهم الأخرى، أو يتناسب مع طبيعة دراستهم.
روان عجيل (21 عامًا)، تدرس في جامعة “ABC Horizon” المهنية الخاصة في مدينة اسطنبول، قسم تكنولوجيا المعلومات، تحدث عنب بلدي عن تجربتها في التسويق، “عندما بدأتُ كانت معرفتي بسيطة، ثم تعلمت واكتسب الخبرة فيه”.
وحول الفائدة المتحصلة من عملها، تقول “ساعدني في تأمين مصروفي الجامعي، وتعلمت كيف أكون صبورة وملتزمة، وكسرت حاجز الخجل الذي كان لدي”.
أما بشرى فتقول إن أرباح عملها “غير محددة”، أي غير ثابته، لكنها تستفيد من الهدايا التي تُرسل إليها، وتستطيع تأمين مستلزماتها بأقل سعر من المنتجات التي توفرها الشركة.
تسويق أم مبيع
يفرّق المدير التنفيذي لدى شركة “بي آر لينز” للعلاقات العامة، والمختص في الشؤون الإدارية أنس كريز، بين مفهومي التسويق والمبيعات، ويقول في حديث لعنب بلدي إن “التسويق هو عملية الوصول للزبون أو العميل، ضمن وسائل وأهداف محددة، مثل الإعلانات وحملات الترويج، بينما المبيع هو عملية شراء المنتج أو الخدمة”.
ويوضح أن “التسويق بدأ بالطريقة التقليدية القائمة على وجود كل من المنتج والمسوّق في نفس المكان، ويكون المنتج هو الأساس في عملية البيع”، وعندما أصبح الإنترنت جزءًا من حياة الناس، ظهر التسويق الإلكتروني القائم على نفس المبدأ التقليدي في تسويق وبيع المنتج، ولكن عن طريق الشبكة الإلكترونية، مثل المواقع الخدمية ومواقع التواصل الاجتماعي.
لكن عملية التسويق الإلكتروني، قد تحمل أساليب يُشك في مهنيتها أو شرعيتها بالنسبة للدين الإسلامي، وأبرزها التسويق الهرمي.
إحدى الفتيات السوريات المقيمات في تركيا، واللواتي عملن في التسويق، تحدثت لعنب بلدي عن تجربتها في التسويق الهرمي، مؤكدة أنها لم تستمر فيه بعد معرفتها بـ “حرمانيته”.
تقول الشابة (رفضت نشر اسمها لأسباب اجتماعية ومهنية)، “اجتهدت كثيرًا في صنع حملة ترويجية للشركة، وكوّنت فريقًا وحققت نسبة مبيعات جيدة، لكنني تأكدت بعدها أن هذه الشركة تتعامل بالربا فقررت ترك العمل، وقطعت صلتي بالشركة”.
ويوضح مدير شركة “بي آر لينز” أنس كريز، أن “التسويق الهرمي” أو “الشبكي”، يقوم خلاله المسوّق بعرض المنتج للزبون، ثم يحاول إقناعه الدخول في سلسة التسويق بهدف تحقيق الربح لكليهما، فيقوم الزبون بشراء المنتج، ويصبح مسوّقًا هو الآخر للشركة وهكذا.
فالأصل شرعًا أن يكون “الشيء محل البيع هو المنتج أو الخدمة لا المُسوق بعينه، بعكس ما تقوم به هذه الشركات من تحقيق الربح في بيع المنتج، وجعله وسيلة للحصول على مُسوقين جدد”.
استغلال للسيدات؟
يعتبر التسويق للمنتجات المتعلقة بالنساء الأكثر شيوعًا بين السوريات في تركيا، اللواتي يسوقن في الغالب مستحضرات التجميل والألبسة والأدوات المنزلية، لذا تتوجه الشركات غالبًا لتوظيف نساء في هذه الأعمال.
كما تقوم بعض السوريات بتسويق الخدمات الطبية والعقارية، من خلال التواصل مع زبائن محتملين، ومحاولة إقناعهم بالاستفادة من هذه الخدمات، ويحصلن بموجب هذه العملية على أرباحهن الخاصة.
المتخصصة في التجارة الإلكترونية، جمانة رياض، تؤكد وجود بعض الشركات التي تحاول استغلال الطبيعة الأنثوية للفتاة، ومهاراتها في التواصل والتحدث مع العملاء، في تحقيق نسبة أعلى من المبيعات.
الطالبة روان عجيل، التي تعمل في التسويق الإلكتروني، تشير أيضًا إلى اتباع بعض الشركات مثل هذه الأساليب، وتقول إن بعض أصحاب العمل يفضلن الفتاة لكونها “لطيفة مع العميل”، فهو “همه تحقيق الربح لا أكثر”.
وتنفي جمانة رياض أن يكون هذا الأسلوب هو إحدى أدوات التسويق عمومًا، رغم اتباعه من قبل بعضهم في عملية التسويق.
وتنصح روان السيدات والفتيات العاملات بالتسويق الإلكتروني أن يدافعن عن أنفسهن ضدّ هذه الأساليب، وأن يكن قويات وحريصات على أنفسهن، دون أن تأخذهن الحاجة إلى الربح دون الالتفات إلى بعض الممارسات.