- المصدر: اقتصاد مال و اعمال السوريين
- 13900 قراءة
خالد حلبي.. شاب سوري ينقل صناعة العود الشرقي، إلى كندا
تعلّم الشاب السوري "خالد حلبي" من والده وجده فن صناعة العود الشرقي، وأجاد صناعته حينما لم يكن قد تجاوز العقد الأول من عمره. وعندما بلغ السادسة عشرة من عمره صنع أول عود له فأغرته تلك التجربة المثيرة بالاستمرار والتعمق في أسرار صناعة هذه الآلة الشرقية.
وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية درس في معهد ديكور ومنجور عربي، وفي معهد أدهم اسماعيل للفنون التشكيلية، واتجه للتفرغ لهذه المهنة التي أوشكت على الإنقراض.
ومع بداية الحرب اضطر حلبي للجوء إلى الأردن من ثم إلى لبنان عام 2014 وهناك أتيحت له فرصة افتتاح ورشة صغيرة لصناعة العود في منطقة سليم سلام في العاصمة اللبنانية بيروت كي لا ينسى هذه الحرفة اليدوية ولتكون مصدر رزق له ولعائلته، قبل أن يشد الرحال مجدداً إلى كندا حيث أسس ورشة صغيرة وبدأ بتصنيع الأعواد الدمشقية.
واعتاد حلبي- كما يروي لـ"اقتصاد"- على تسويق منتوجاته من العود الشرقي من خلال حسابيه على "فيس بوك" و"انستغرام" مشيراً إلى أن معظم زبائنه من الجالية العربية بكندا وعدد من الكنديين المهتمين بالموسيقا الشرقية.
في ورشته الصغيرة في كراج منزله بمدينة "تورنتو" وعلى طاولة خشبية تتوزع معدات النجارة التي يستخدمها الصانع الشاب في عمله كالمثقب والمنشار وأداة تنعيم الخشب، فيما يُرى عدد من الأعواد التي انتهى من صنعها معلقة على الجدران وتبدت فيها دقة الصناعة وجمالية الزخارف، وفيما بدا حلبي وهو يثبت قطع االموزاييك في الفجوات الصغيرة المحددة أشار إلى أن العود يمر بـ72 مرحلة أساسية ليصبح قطعة موسيقية تصدح بالألحان.
وتبدأ هذه المراحل-كما يوضح- بتقطيع الألواح الخشبية وفق مقاسات وسماكات محددة، ومن ثم طيّها باستخدام الماء والحرارة المرتفعة، ثم يتم إلصاق الألواح بعضها ببعض باستخدام مادة الغراء، وهي عبارة عن مادة طبيعية مستخرجة من جلود الحيوانات، بالإضافة إلى المسامير المعدنية الصغيرة، وتوضع فيه الريش بعد نقعها عشر دقائق بالماء لتحافظ على لون خشبها الطبيعي، وتحتاج واجهة العود (الصدر) لمراحل إضافية من العمل، مروراً بعملية الزخرفة حسب التصاميم التي يتم رسمها، والمرحلة الأخيرة هي تركيب المفاتيح والأوتار.
واعتاد حلبي-حسب قوله- على استخدام خشب "الجوز السوري" في تصنيع ظهر العود لأنه يمتاز بعدة ميزات منها جمال لونه الداكن وعروقه المتداخلة منها البني الغامق والبني المائل للاحمرار، أمّا الصّدرُ فيصنع من خشب الأرز والشوح. لافتاً إلى أن التربة الشامية قد تكون لعبت دوراً كبيراً في جودة خشب الجوز والأعواد التي تصنع منه تختلف عادة عن باقي الأعواد.
وتابع محدثنا أن صناعة آلة العود الواحدة تستغرق من عشرة أيام إلى أسبوعين تقريباً، أما العود الذي يتضمن زخارف ومواصفات إضافية فقد تصل مدة تصنيعه لعدة شهور، وأعرب حلبي عن حبه للتعامل مع الأخشاب، بكل أنواعها، من خشب الأرز والصنوبر والجوز إلى خشب الورد والمشمش وغيرها لافتاً إلى أن "لكل عود خشبي صوتاً مميزاً، فالأعواد السورية والعراقية والمصرية والتركية تعتبر من أفضل الأنواع في العالم، ولكل منها نكهة خاصة لا يمكن لواحد منها أن يحل مكان الآخر".
ويفخر خالد بماضي عائلته التي عملت في صناعة العود قبل أكثر من 120 عاماً في دمشق، وكان جدُّه وهو صانع آلات قانون ذائع الصيت وعازف على عدة آلات موسيقية قد أهدى كوكب الشرق أم كلثوم عام 1955 آلة عود كتب على زندها عبارة "لا يُعرف المرء في عصره"، ولا يزال العود موجوداً حتى يومنا هذا في متحف أم كلثوم بالقاهرة، كما صنع "كونتر باص" لازال محفوظاً لدى فنان كبير في دمشق.
من بين الأعواد المنجزة والمعلقة خلف حلبي، عود نُقش عليه علم كندا. وحول قصة هذا العود أشار الصانع القادم من دمشق إلى أنه أراد تقديم هدية مميزة للكنديين عربون وفاء لاستقبالهم اللاجئين السوريين برحابة صدر، فكانت الفكرة أن يصنع عوداً شرقياً بألوان العلم الكندي مع كتابة مطلع النشيد الوطني الكندي على الزند وأحس-كما يقول- أن هذه الهدية جميلة ومعبرة وتري الغرب شيئاً من تراثنا، كما يفكّر بصناعة مجسم عود كبير يهديه لبلدية تورنتو ليتم وضعه في إحدى الساحات العامة في المدينة.
ويطمح محدثنا -كما يقول- إلى توسيع ورشته والوصول إلى معمل للآلات الموسيقية الشرقية الوترية كالعود والبزق، مع حرصه على الجودة العالية وزيادة الإنتاج بطرق حديثة ومتطورة، آملاً أن يظل محافظاً على هذه المهنة التي تصارع للبقاء، وشدّد على أنه "مهما ظهرت آلات موسيقية إلكترونية، إلا أنها لن تتمكن من أخذ مكان ومكانة العود الخشبي الذي يتميّز بصوت وروح لا يمكن أن نجدها في نظيره الإلكتروني".