- المصدر: تركيا بوست
- 4168 قراءة
تركيا .. الوطنُ البديل لكثير من السوريين
كتبت “غالية شاهين” في مقالٍ لها بصحيفة “العربي الجديد” بأنه وفي نزوحهم في السنوات الأربع الماضية، ابتعد السوريون عن وطنهم، “مكانياً”، ثم تحوّل هذا البُعد من شكله المكاني إلى شكلٍ نفسيّ عميق، راح يكبر يوماً بعد يوم، وبلاداً بعد بلاد.
حوالي أربعة ملايين سوري خارج الحدود، معظمهم في مخيّمات في دول الجوار، وبعضهم قصد المدن في الدول القريبة، ولاحق آخرون أحلاماً بالوصول إلى أوروبا، مهما كلّفهم الأمر.
لم يزل سكان المخيمات يحلمون بسورية الوطن، ولا خيارات أخرى مطروحة، فكّل ما عانوه في بلدهم قبل الثورة أسهل ممّا يعانونه الآن. كَبر الوطن السوري المشتهى في أحلامهم في أثناء الثورة، وما زال معظمهم ينتظرون تحقيقه. قد ينطبق الأمر على من نزحوا إلى المدن اللبنانية والأردنية، نظراً لسوء التعامل وصعوبة الحياة فيها.
قد يختلف الأمر عند السوريين الذين قصدوا المدن التركية، وخصوصاً نشطاء الثورة. فمع مرور الأيام، وتعقّد الأوضاع في سورية، واختلاط الأوراق المرعب الحاصل فيها، بدأت صورة الوطن بالتلاشي، لتحلّ محلها تدريجياً، صورة أخرى لوطنٍ بديل، وصفوه جميعاً بالمؤقت، لكنه بدأ يتحوّل إلى شكلٍ أكثر ديمومة. ويردّد نشطاء كثيرون أن المدن التركية، خصوصاً الحدودية، تشبه المدن السورية الحلم. غازي عينتاب، مثلاً، لها شكل حلب بكل تفاصيلها، والريحانية هي ريف إدلب الحلم، وأنطاكيا تحمل رائحة الساحل السوري، ولكن، بثوب يتمناه السوريون جميعاً. حتى اسطنبول يرى السوريون فيها صورة دمشق المرغوبة.
وإلى عوامل طبيعية متشابهة، قد يكون أحد أهم العوامل في إلباس تركيا ثوب الوطن البديل تشابه البيئة الاجتماعية، ما يعود لأسباب عديدة، قد يكون أوّلها الطابع الإسلامي المعتدل للشعبين، والحالة الثقافية المجتمعية المشتركة بينهما، ولن تكون آخرها المفردات المشتركة بين اللغتين، الفصحى والعامية لكليهما. ولعلّ أبرزها وأكثرها تأثيراً في اللاشعور، اسم العملة “الليرة”، لأثرها في كل تفاصيل الحياة اليومية.
وقد ساهم وجود أعداد كبيرة من السوريين، وتشكيلهم مجتمعات كاملة ضمن المجتمعات التركية، بالمقوّمات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية، والترفيهية، في تخفيف إحساس الغربة المتعب، خصوصاً لدى نشطاء الثورة ممّن وجدوا مجتمعات صغيرة محيطة بهم، ينتمون إليها، لما يجمعهم معها من فكرٍ ثوري، وأحلام وقضية مشتركة، مع تشابهٍ في الآراء والاتجاهات، كانوا يفتقدون إلى ما يشبهها في الداخل السوري، حيث يصعب التواصل، أو الاجتماع، مع من هم رفاق ثورة أو تيار أو فكر.
وأضافت الكاتبة بأن أكثر ما يلفت النظر حالياً الرغبة القوية لدى سوريين كثيرين وصلوا إلى أوروبا، بعد تجربة في تركيا، بالعودة إليها. وكأن معظمهم حذف من مخططاته العودة إلى سورية، وأبقى تركيا كـ”وطنٍ بديل”. لسان حالهم يقول إن الاغتراب الحقيقي بدأ منذ خطّت أقدامهم في الدول الأوروبية، وكأن الاغتراب في تركيا لم يكن اغتراباً!
قد يكون العجز حتى عن التفكير في العودة إلى سورية في الظروف الراهنة، مع احتمال العودة إلى تركيا ببساطة، بعد الحصول على الإقامات، سبباً رئيسياً في استبدال الوطن، لاشعورياً، بوطنٍ قابل للتحقيق، والأهم أنه مفتوح أكثر لتحقيق “الذات السورية” بشكلٍ أسهل بكثير من تحقيقها في أوروبا. قد يكون الأمر منطقياً لمن هم في عمرٍ متقدم، ويسعون إلى لمّ شمل عائلاتهم وتأمينهم، مع إيجاد بدايات جديدة للأطفال، في بلاد ستضمن مستقبلاً أفضل لهم، لكن الآباء لن يكونوا يوماً سعداء هناك، فتصبح العودة إلى تركيا بديلاً مطروحاً في محاولة استعادة روابط ملموسة مع كلّ ما هو سوري، بالوجود في بلدٍ قريب جغرافياً، وقريب نفسياً من البنية النفسية والسلوكية السورية التي يصعب تغييرها بعد عمرٍ معيّن. لكنه قد يكون غريباً بعض الشيء، عندما يظهر لدى الشباب السوري المهاجر إلى أوروبا، على الرغم من طرحهم مبرّرات تتعلّق بنمط الحياة الملائم في تركيا، خصوصاً لمن كان حاصلاً على عملٍ هناك، إضافة إلى الإحساس بالفعالية والتأثير في مجريات الثورة على الساحة السورية، والذي فقده الناشطون بمجرد وصولهم إلى أوروبا.
ليس الأمر مصادفة، ولا رغبة ظاهرية بالاستسهال. إنه فراغٌ شكّله فقدان الوطن وضعف الأمل بعودته. وبالتالي، لا بدّ من البحث عن “وطنٍ بديل”، ربما هو تركيا لدى كثيرين.