المغرب يوافق على ترحيل سوري للرياض على خلفية ملاحقة قضائية وأسرته متخوفة من تسليمه لاحقاً إلى النظام السوري

المغرب يوافق على ترحيل سوري للرياض على خلفية ملاحقة قضائية وأسرته متخوفة من تسليمه لاحقاً إلى النظام السوري

تناولت وسائل إعلام مغربية قضية سوري بدأت أولى  فصولها قبل ثمانية أعوام ولم تنتهِ إلى الآن، حيث اتُهِم في السعودية بخيانة الأمانة، وهو صك الاتهام الذي تقول عائلته إنّه زورٌ طاله.. ليقضي، بعد إدانته، مدة سجنية في سوريا، بينما عادت ذات التهمة لتلاحقه من جديد في المغرب بعد فراره إلى المملكة هربًا من جحيم الحرب، ليجد نفسه مسجونًا من جديد بتهمة من المفترض أنه عوقب بخصوصها سابقًا.. ليغدو مهددًا بترحيل قريب إلى السعودية لنيل عقاب مبني على قرار محكمة النقض المغربية بالتسليم لسلطات الرياض المطالبة به.
قصة المواطن السوري عبد الرحمن فاروق علي، كما نقلتها أسرته ضمن روايتها للإعلام المغربي، لا تتضمن فصولًا من معاناة السوريين منذ أن طال "الربيع العربي" بلادهم لينتج إرهاب "داعش" وقمع النظام، بل تحتوي الكثير من الإشكاليات المتعلّقة بالاتفاقيات القضائية بين الدول، وكذلك ما يخصّ قرارات القضاء في تهمٍ تعود إلى سنوات خلت وإلى فضاء عيش له سيادَة بعيدة عن جنسية القاضي المصدر للحكم.
تعود القصة إلى عام 2007، عندما توّصل عبد الرحمن بإشعار براءة الذمة من وظيفته في إدارة تسويق مؤسسة فندقية بعدما طلب الرحيل من السعودية، فعاد إلى سوريا لأجل مباشرة مشروع تجاري آخر، قبل أن يفاجأ بأن كفيله، الذي منحه ورقة إبراء الذمة يتهمه بسرقة مبلغ 544192 ريال سعودي، وأخذِ المفاتيح الخاصة بخزنة المكتب مع التسبب بخسائر أخرى تقدّر بـ 587288 ريال سعودي، ثم السفر إلى بلاده دون علم الكفيل.. وهي التهم التي تم تقديمها للقضاء السعودي بشهادة لثلاثة من الأجانب.
أدت هذه التهم إلى إصدار هيئة الادعاء العام أمرًا بإحضار عبد الرحمن بناء على صك اتهام يشمل خيانة الأمانة، إلّا أن وزارة العدل السورية رفضت تسليم مواطنها إلى السعودية، وقرّرت بدلًا من ذلك إحالة ملفه على القضاء السوري الذي أدانه بثلاثة أشهر نافذة من السجن وغرامة قيمتها مئة ليرة سورية، حيث جاء ذلك في شهر مارس من العام 2009، ليقضي عبد الرحمن عقوبته السجنية ويظنّ أن ملفه قد طوي نهائيًا.
انطلقت شرارة الثورة السورية، فأصبح اسم عبد الرحمن فاروق علي ضمن القائمة السوداء التي يترّصدها النظام، مستندة في ذلك لانتمائه إلى تنظيم معارض  هو "التجمع الثوري المعارض"، زيادة على قرابته من أحد الضباط المنشقين عن الجيش السوري، هو اللواء محمد الحاج علي.. وأُلقي القبض على عبد الرحمن عام 2013، وخرج من السجن بعد فترة يحمل آثار التعذيب والتنكيل، ليجبر على الهرب من سوريا كي لا يعود النظام مرة أخرى لسجنه وتعذيبه من جديد.
تسلّل إلى لبنان، ومنه سافر إلى الجزائر، وبعدها استقر به المقام فيه المغرب بداية عام 2014، بينما التحقت به زوجته وأبناؤه الثلاثة في ماي من السنة نفسها، وظنّ أن حكاية الألم قد ولّت إلى غير رجعة، خاصة بعدما بدأ التحضير لافتتاح مشروع بسيط يقتات منه في مدينة القنيطرة وفق ما تورده أسرته.. إلّا أن الأمل سرعان ما تلاشى حين ألقت عليه القبض قوات الأمن، والسبب هو علم كفيله السعودي بوجوده في المغرب، فتحرك من جديد لإثارة قضية خيانة الأمانة، مطالبًا بتسليم المعني بها إلى السلطات السعودية من أجل نيل عقابه.
وضعت السلطات المغربية عبد الرحمن في السجن انتظارًا لقرار محكمة النقض بشأن الطلب القضائي السعودي، ليصدر في آخر يوم من عام 2014 موافقا على طلب التسليم مع الإشارة إلى أن الحكم الصادر ضدّه في سوريا ليس فيه ما يفيد معاقبته بجريمة خيانة الأمانة التي تتضمنها شكاية ضدّه مقدّمة بالسعودية.
ليس السجن أو الغرامة، اللذان يعدّان من أقصى العقوبات على جريمة خيانة الأمانة في القانون السعودي، هما ما يُرعبان أسرة فاروق، وإنما التخوف من قيام السلطات السعودية بترحيل عبد الرحمن إلى سورية بعد انتهاء عقوبة السجن، وذلك وفقا لما تنصّ عليه قوانين الرياض.. وبالتالي يرى أقارب فاروق علي أن عبد الرحمن سيسجن على جريمة لم يرتكبها، وسبق أن عوقب على اتهامه بها، وسيسلم لنظام لن يرحمه وقد يقدم على تصفيته كما صفى كثيرا من أصدقائه.. وفق تعبير عائلة عبد الرحمن.
وجاء في طلب وجهه محامي الأسرة، الكبير المسكم، إلى وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، راميا إلى مراجعة قرار محكمة النقض، أن المناقشات التي أدارتها الهيئة القضائية حول القضية لم تلتفت إلى مجموعة من الوثائق المهمة التي تتعلق بنقطتين مهمتين، الأولى هي سبق البتّ في القضية من طرف القضاء السوري، والثانية وجود عبد الرحمن كلاجئ فوق التراب المغربي، وذلك رغم نفي القضاء المغربي لهذه الصفة عنه لخلوّ ملفه ممّا يفيد ذلك.
وأشار المحامي إلى أن الحكم الصادر عن القضاء السوري يتضمن جزئيات تؤكد أنه يخصّ اتهاما بخيانة الأمانة، معتبرا أن ذلك به خلاف لما ذهب إليه تعليل القضاء المغربي، ومن ذلك أسماء الشهود الذين ورد ذكرهم في صكّ الاتهام السعودي.. فضلًا عن وثيقة صادرة عن وزارة العدل السورية تؤكد متابعة عبد الرحمن على أساس التهمة المذكورة ضمن الصك السعودي، وبالتالي لا يمكن معاقبته مرّة ثانية لعدم قانونية معاقبة الأفراد مرّتين عن الجرم نفسه.
"تسليم عبد الرحمن إلى السعودية يعني حفر قبر له بسوريا.. لقد هرب من جحيم الحرب وأراد بداية صفحة جديدة في المغرب الذي فتح له أحضانه، خاصة وأن هذا البلد جمعه بزوجته وأولاده، لكن الكفيل السعودي لم يعجبه ذلك وقرّر تنغيص حياة عبد الرحمن بإعادة فتح قضية حسم فيها القضاء السوري سابقًا"،يقول أحد أفراد الأسرة لموقع "هسبريس" المغربي معربًا عن أمله في أن تراجع وزارة العدل والحريات قرار محكمة النقض بما يوقف رحلة عبد الرحمان نحو ما تعتبره موتا محققا.