هل اللاجئون السوريون عبء على الاقتصاد التركي

هل اللاجئون السوريون عبء على الاقتصاد التركي

هناك ما يقدر بنحو 1.2 مليون سوري يعملون بشكل غير رسمي في تركيا. لا ينبغي أن يكون ذلك مفاجئًا؛ حيث إن الاقتصاد غير الرسمي في تركيا يشكل 30 في المئة من الاقتصاد بأكمله.

احتفلت تركيا بيوم العمال هذا العام بأعلى معدل بطالة منذ عقد، ويتساءل البعض عن تأثير وجود السوريين كقوة عاملة، ولكن ذلك لا ينبغي أن يحدث.

قال البروفيسور مراد أردوغان، في كلمته أمام ندوة نظمت في 29 أبريل/ نيسان للاحتفال بالسنة الثامنة لدخول أول مجموعة من اللاجئين السوريين تركيا: "حقيقة أن أكثر من مليون سوري يعملون لا تعني أن أكثر من مليون تركي قد فقدوا وظائفهم".

يعمل معظم السوريين في وظائف غير مرغوب فيها لدى الأتراك، وبثير معدل البطالة قلقا لا سيما بين خريجي الجامعات من السوريين. يوجد حاليًا نحو 27 ألف سوري يدرسون في الجامعات. وقال لي أحد الأكاديميين "إن أفضل طلابي سوريون".

في 29 أبريل 2011، عبر نحو 250 سوريًا الحدود فرارا من الحرب. واليوم يعيش في تركيا قرابة 3 ملايين و610 آلاف سوري. وفي عام 2011 كان هناك نحو 58 ألف شخص قدموا من البلدان المجاورة تحت الحماية الدولية، وارتفع هذا العدد إلى 4.1 مليون هذا العام.

يشكل السوريون البالغ عددهم حاليا 3.5 مليون، 4.4 في المئة من سكان تركيا. يعيش 3 في المئة منهم فقط في المخيمات، بينما يعيش 97 في المئة في المدن. وفي غضون ثماني سنوات ، وُلد قرابة نصف مليون طفل سوري. ويولد 465 طفل سوري كل يوم في عام 2019.

إنشاء منطقة آمنة لتشجيع العودة

سيزداد عدد السوريين في تركيا، لكن ماذا سيكون مصيرهم؟ هناك ثلاثة خيارات: إما أنهم سيستقرون في تركيا، أو سيعودون إلى بلدهم، أو سيذهبون إلى بلد ثالث.

احتمالات عودة السوريين إلى بلدهم  ضئيلة. تتحدث تركيا عن إنشاء منطقة آمنة تعمل كجدار ضد المنظمات الإرهابية. وتأمل الحكومة أن يؤدي إنشاء هذه المنطقة إلى تسهيل عودة اللاجئين. ووفقًا للبروفيسور أحمد إيتش دويغو، فإن وضع مسألة "الأمن" في تركيا "وقضية" اللاجئين" في نفس السلة لن يكون مفيدًا لأي منهما.

وبحسب إيتش دويغو، يجب أن يشعر اللاجئون بالأمان للعودة، لكن من المتوقع أن تظل سوريا هشة لمدة 10 أو 15 عامًا على الأقل.

ولهذا السبب أصر البروفيسور دويغو على أن الخيار الثالث - إعادة توطين اللاجئين إلى بلدان ثالثة - يجب أن يظل قناة مفتوحة. كانت إعادة توطين اللاجئين السوريين في الدول الأوروبية جزءًا من الصفقة التركية الأوروبية التي تم الاتفاق عليها في عام 2016. لكن لم يتم تنفيذها بشكل صحيح على الإطلاق. في الواقع، يتعين على تركيا أن تبقي هذا الجزء من الصفقة على رأس أجندتها، لأن من الواضح أن أوروبا تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد لتقاسم الأعباء.

إيجاد سبل مختلفة

أكره الحديث عن اللاجئين من حيث الأرقام، بيد أن لغة الأرقام تظهر البعد المروع لهذه المأساة الإنسانية.

هناك 25.4 مليون لاجئ في جميع أنحاء العالم، وتضيف تركيا منذ عام 2013 أكبر عدد من اللاجئين، تليها الأردن، بينما يحتل الاتحاد الأوروبي (المكون من 27 دولة) المرتبة الثالثة، حيث يضيف نحو 9 بالمئة من اللاجئين، يليه باكستان وأوغندا ولبنان وإيران وبنغلاديش. من الواضح أن غالبية الدول العشرة الأولى التي تضيف اللاجئين هي دول نامية، وهناك تفاوت خطير من حيث تقاسم الأعباء مع الدول المتقدمة.

قد يعترض الأوروبيون مذكرين بأنهم يقدمون مساعدة مالية إلى البلدان المضيفة. هذ صحيح لكن هذه المساعدات غير مستدامة، ، أولا لأنه سيكون هناك تدفق جديد للاجئين. وقد شهدت تركيا على سبيل المثال، في الآونة الأخيرة موجة لاجئين من أفغانستان. وثانيا أن معظم اللاجئين لن يعودوا إلى بلادهم.

اعتاد الأوروبيون على الاعتراض على طموحات تركيا في الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بالقول إن الاتحاد الأوروبي لديه القدرة على استيعاب اللاجئين. ولكن تركيا لا يمكنها أن تبقي سياسة "الحدود المفتوحة" إلى الأبد. أما بالنسبة إلى اللاجئين الذين لن يعودوا إلى بلادهم، فسوف يتوجهون بالتأكيد نحو أوروبا، إذا لم يتم توفير ما يكفي من فرص العمل.

وقال تامر كيليتش، ممثل إحدى المنظمات غير الحكومية، "لا يمكنك خلق فرص عمل إذا كان الاقتصاد لا ينمو". وشدد على الحاجة إلى التفكير في كيفية مساهمة الهجرة في التنمية الاقتصادية. ولكن كيليتش يرى أن إعادة التوطين في دول ثالثة يجب أن يظل على أجندة الحكومة.

على أن حديث البروفيسور كمال كيرشيجي خلال الندوة هو ما أعادنا إلى الواقع: "لقد هزت أزمة اللاجئين في عام 2015 الاتحاد الأوروبي، وسيؤدي صعود اليمين المتطرف إلى جعل الاتحاد الأوروبي على وشك الانهيار. لذلك سيكون من الصعب للغاية  إقناع أوروبا باستقبال المزيد من اللاجئين". في الواقع، جاء الاتفاق الدولي الذي تم التوصل إليه في عام 2018، والمسمى بالميثاق العالمي بشأن اللاجئين كرد فعل على "أزمة اللاجئين في أوروبا"، وليس كرد فعل لمن يتحملون العبء الحقيقي. ومن بين أهداف هذه الوثيقة جعل اللاجئين يعتمدون على أنفسهم وضمان إضافتهم للمجتمعات المضيفة. وقال البروفيسور كيرشيجي بفضل الدبلوماسية التركية تمت الموافقة على تقديم تسهيلات تجارية للبلدان التي تضيف أعدادًا كبيرة من اللاجئين. ففي مقابل قبول الأردن منح تصاريح عمل للاجئين، تعهد الاتحاد الأوروبي بأن يكون أكثر مرونة عند دخول المنتجات الأردنية إلى أوروبا.

هذه الوثيقة ليست ملزمة، ولكنها يمكن أن تفتح مسارا يمكن من خلاله لأصحاب المصلحة تقديم صيغة مختلفة لدعم اللاجئين في حل مربح للجانبين. يمكن للقطاع الخاص، على سبيل المثال، أن يطلب معاملة خاصة، إذا كان يعمل به عدد معين من اللاجئين. أو يمكن للعملاء أن يطلبوا من الموردين توظيف اللاجئين رسميًا. ولكن الأمر متروك لأصحاب المصلحة من الأوساط الأكاديمية إلى القطاع الخاص لاستخراج الوثيقة والتقدم بمقترحات إلى الاتحاد الأوروبي.