- المصدر: تلفزيون سوريا
- 7923 قراءة
خطاب الكراهية بلغ مرحلة خطرة وفق مركز أبحاث اللجوء والهجرة التركي
لاحظ السوريون في تركيا على مدار السنوات السابقة، تحول ملفهم من إنساني يحظى بتعاطف الحكومة والمجتمع إلى ورقة يتقاذفها السياسيون الأتراك ضمن صراعاتهم بوتيرة متزايدة، حتى وصل لما هو عليه اليوم، ملف سياسي يكاد يتجرد من حرمته الإنسانية.
فمنهم من هدد بالسوريين لتحقيق مكاسب في الساحة الدولية، ومنهم من وعد بإرسالهم برفقة الطبل والزمر، ومنهم من أسس أحزاباً وعودها الانتخابية لا تتعدى "ترحيل السوريين"، ومنهم من يريد رفع أجور المياه والكهرباء عليهم فقط ومنهم من أوصاهم بعدم الإفراط باستخدام البهارات خلال الطبخ كي لا ينزعجوا الجيران.
لمناقشة ملف الوجود السوري في تركيا بموضوعية، بعيداً عن التشوهات التي تلحق به من ترددات الصراعات السياسية، حاور تلفزيون سوريا رئيس "مركز أبحاث اللجوء والهجرة –İGAM "، والمتحدث الرسمي السابق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تركيا، وأحد أبرز مناصري حقوق السوريين في تركيا، السيد "متين جوراباتر –Metin ÇORABATIR ".
في حواره تطرق "جوارباتر" إلى عدة محاور، أهمها ملف الوجود السوري في تركيا ضمن ثنائية الحكومة-المعارضة، والحالة القانونية للوجود السوري من المنظور الداخلي والدولي ومستقبلهم في البلاد، وفي الختام رسائل ونصائح للسوريين في تركيا.
الوجود السوري بين الحكومة والمعارضة
يرى "متين جوراباتر" أن ملف الوجود السوري في تركيا سُيس مُبكراً، إذ أصبح أحد محاور الاستقطاب المجتمعي في تركيا - ولا يخفى على المتابع كون الاستقطاب المجتمعي أحد أهم أدوات الحشد السياسي في البلاد.
ويقول: "انحسر خطاب الكراهية المعادي للاجئين بعد انتخابات 2019 المحلية"، وهي الانتخابات التي فازت المعارضة بأهم مدينتين فيها، أنقرة وإسطنبول، وكان لخطاب معاداة اللاجئين الذي تبنته المعارضة حينذاك دور مهم في هذا الفوز بحسب رأيه.
ويحمّل "جوراباتر" رئيسَ أكبر أحزاب المعارضة التركية، "كمال كليتشدار أوغلو"، مسؤولية عودة خطاب الكراهية أخيراً، فتصريحاته التي وعد فيها بترحيل السوريين كانت فاتحة لموجة جديدة من هذا الخطاب، تتزامن مع اقتراب انتخابات 2023 المصيرية. والدافع وراء تصريحات "كليتشدار أوغلو" انتخابي بحت يستند إلى تجربة انتخابات 2019 المحلية – بحسب "جوراباتر."
وفقا لـ "جوراباتر"، لم تأثر تجربة انتخابات 2019 المحلية ودور خطاب الكراهية فيها على مقاربة المعارضة فقط، بل أيضاً على سياسات الحكومة التركية تجاه ملف الوجود السوري في تركيا. فبرأيه خطاب الحكومة منذ حينذاك يتغير تدريجياً باتجاه تبنيهم إعادة السوريين إلى المناطق الآمنة في الشمال السوري، مستشهدا بخطاب أردوغان عام 2019 في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة بعد بضعة أشهر من خسارتهم للإدارة المحلية في إسطنبول وأنقرة، والتي روج خلاله أردوغان لمنطقة آمنة بعمق 30 كم على طول الحدود مع سوريا ويمكن أن تستقبل مليوني سوري.
ولا يزال المجتمع الدولي غير موافق على مقترح أردوغان المتمثل بإعادة جزء مهم من السوريين، من تركيا إلى منطقة آمنة في الشمال السوري بحسب "جوراباتر"، بسبب مخاوف مبنية على تجربة المناطق الآمنة الفاشلة في البوسنة والتي كانت مسرحاً لمذبحة "سربرنيتسا" المروعة.
ويعتبر "جوراباتر" أن خطأ من الحكومة التركية في سياساتها اتجاه النزوح السوري لتركيا أتاح الفرصة أمام المعارضة لاستغلال الملف سياسيا. فالحكومة بحسب رأيه أدارت الملف بشكل محلي على حساب دور المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وذلك لإيمان الحكومة بأنها أفضل من يمكنه التعامل مع الملف، إيمانٌ تسبب بإبقاء التنسيق مع المفوضية السامية في الدرجات الدنيا.
ومع غياب ما وصفه "جوراباتر" بـ "الحكم الدولي المحايد" عن الإدارة أو الإشراف على ملف السوريين في تركيا، استطاعت المعارضة استغلال ملف الوجود السوري كمحور جديد في صراع الاستقطاب المجتمعي. فأصبح السوريون "لاجئي أردوغان" تارة، و "متطرفين إسلاميين" تارة أخرى.
خطاب الكراهية وصل إلى مرحلة "خطيرة"
بالنسبة لـ "جوراباتر" فمشكلة العنصرية وخطاب العنصرية ليست محلية تركية، بل جزء من موجة عالمية ترتفع مع اقتراب الانتخابات في الدول. ويذكر وجود نظريات حديثة في علم الاجتماع تقول إن خطاب الكراهية في العالم مصدره رأس هرم المجتمع من سياسيين ووسائل الإعلام وأكاديميين وليس العكس.
وقال رئيس "مركز أبحاث اللجوء والهجرة –İGAM": "هناك بعض الانزعاج من اللاجئين في الرأي العام التركي لكن ليس بشكل كبير، لولا تدخل السياسيين لتجييش خطاب الكراهية.. لذا على السوريين ألا يخافوا وأن يفصلوا بين ما يحدث من خطاب كراهية مصدره السياسيون وبين الشعب التركي".
رغم ذلك، يرى "متين جوراباتر" أن خطاب الكراهية في تركيا "وصل إلى مرحلة خطيرة" لعدة أسباب:
- وعود بعض السياسيين من المعارضة التركية بتحقيق ذلك عبر "التصافح مع بشار الأسد" وهو من يعتبره غالبية السوريين المسؤول عن تهجيرهم ومعاناتهم أساساً، وفق ما أضاف.
- ترويج بعض السياسيين لفكرة تشكيل اللاجئين تهديداً للأمن العام والسلم الأهلي، لإمكانية فتح هذه الفكرة الباب أمام من وصفهم بـ "الشبان الأتراك العاطلين" لبدأ "الشجارات" مع اللاجئين.
الشعب السوري "أفندي"
ووصف "جوراباتر" الشعب السوري بالـ "أفندي"، أي المهذب، وذلك "لامتصاصه الإهانات التي يروج لها بعضهم بحقه بهدوء"، داعياً لعدم استغلال هذا الشيء.
وتخالف تهديدات المعارضة بترحيل السوريين أحد أهم بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وهو "حق العيش بدون خوف"، لما تسببه من مخاوف للسوريين بحسب رأي "جوراباتر" وهو الناطق الرسمي السابق باسم المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في تركيا. لذا "على خطاب الكراهية أن ينتهي حالاً"، لكن "هناك مصالح تحقق عبره" للدور الذي يلعبه في الحشد الانتخابي بحسب ما يقول.
وأضاف: "رغم اللوبي القوي المعادي للاجئين، مستمرون بمكافحة خطاب الكراهية عبر تصحيح المعلومات الخاطئة ونشر الحقائق".
مناصرو السوريين في تركيا
يقول "جوراباتر" الذي يرأس "İGAM"، وهي مؤسسة بحثية وجمعية أهلية تعنى بشؤون اللجوء والهجرة، إن من أهم إيجابيات النزوح السوري تعريفه المجتمع التركي بمصطلح "اللجوء" وجعله موضع نقاش، مشيراً إلى غياب هذا المصطلح وما يرتبط به من حقوق عن المعارف الجماعية للشعب التركي حتى مجيء السوريين.
وأسس "مركز أبحاث اللجوء والهجرة - İGAM" على يد "متين جوراباتر" وبرفقة أصدقائه لملء الفراغ البحثي في هذا الشأن عام 2013، تزامناً مع تقاعد الأخير من منصبه في الأمم المتحدة. ليصل عدد الفريق إلى ما يقارب الـ 200 اليوم بين عامل ومتطوع، يعملون جميعاً على حماية وتطوير حقوق اللاجئين في تركيا والعالم، مستندين إلى "الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان واللاجئين"، وتتجاوز جهودهم العمل البحثي لتشمل الأعمال الميدانية، وفقا لتعريف "جوراباتر".
وذكر "جوراباتر" في هذا الصدد أن عدد المهتمين بشأن اللجوء أو النزوح من الشباب الأتراك بازدياد، ويضيف "جهود مؤسسات المجتمع المدني التركي بقول الحقائق زاد من المدافعين عن حقوق السوريين ومبدأ عدم الترحيل".
وكمثال عن أحد جهودهم في هذا الشأن، يقول "جوراباتر" إنهم ضغطوا على أكبر أحزاب المعارضة "حزب الشعب الجمهوري" أخيرا ما نتج عنه تغيير في خطابهم، إذ رغم عدم تخلي الحزب عن وعود "إعادة السوريين" لأسباب انتخابية فقد توقفوا عن "تجريم السوريين". ويذكر أن الحزب كان قد أكد أخيراً عبر العديد من منابره أنهم ليسوا ضد "السوريين المساكين" بل ضد من "تسبب باللجوء بسياساته" ويقصدون الحكومة التركية.
وعبّر "جوراباتر" عن تألمه لرؤية أن جهودهم تبقى غير كافية في مواجهة خطاب الكراهية ومعاداة الأجانب الذي وصفه بـ "الخالي من التعاطف"، خصوصاً مع نمو ما وصفهم "بالطرف الآخر" بشكل أكبر.
الحالة القانونية للسوريين
تقدم تركيا الكثير من الخدمات للسوريين المندرجين تحت تصنيف "الحماية المؤقتة" من تعليم وصحة بكرم وسخاء بحسب "جوراباتر"، إلا أن على الحكومة التركية أن "تتحلى بشجاعة إطلاق مسمى اللاجئ على السوريين" لأن هذه الصفة ستضمن هذه الخدمات كحق وليس كمكرمة، بالإضافة إلى حقوق التجوال الحر في البلد والسفر خارج البلد والتملك. وكذلك لما سيضمنه هذا الاعتراف بكونهم لاجئين من ضمانات لتحقيق سياسات اندماج فعالة مع المجتمع المضيف.
وقال "جوراباتر": "كان على المعارضة التركية التي تدعي أنها ديمقراطية اجتماعية أن توصي الحكومة بإعطاء اللاجئين السوريين صفتهم الدولية، إلا أن المعارضة تفضل أن تصب الزيت بالنار".
وفي الطرف المقابل يرى مسؤولو الحكومة التركية ممن حاورهم تلفزيون سوريا سابقاً، أن تصنيفهم السوريين تحت "الحماية المؤقتة" على حساب صفة "اللاجئ" لها سببان، الأول ضمان حق عودة السوريين في المستقبل، والثاني عدم قبولهم إطلاق الوصف الأخير على "جيرانهم وإخوتهم".
لن يستطيع أحد ترحيل السوريين
ما يزال السوريون لاجئين من المنظور الحقوقي الدولي وفقا لـ "جوراباتر"، إذ إن اللاجئ يعرف بحسب "سبب تركه لبلده وليس بحسب الصفة التي تطلقها عليه الدولة المستضيفة". وهذه الحقيقة هي سبب عجز أي جهة تدعي ترحيل السوريين عن تطبيق وعودها في المستقبل، إذ تنص المادة 33 من اتفاقية عام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين، على منع الدول من إعادة اللاجئين إلى أماكن الخطر.
وأضاف: "ما يزال المجتمع الدولي يعتبر سوريا غير آمنة للعودة، لذا ليس هناك أي طريقة لتركيا للالتفاف على المادة 33 من اتفاقية عام 1951 إذا أرادت البقاء كجزء من المجتمع الدولي".
يجزم "جوراباتر" أنه لن تستطيع أي جهة تصل إلى السلطة بعد انتخابات 2023 ترحيل أي سوري في حال لم تحصل تغييرات جذرية في سوريا، ويقول "على كل إخوتنا اللاجئين السوريين أن يعوا هذا". فبرأيه مستقبل السوريين في تركيا غير مرتبط بحالة تركيا الداخلية، بل مرتبط بالقضية السورية ومقاربة المجتمع الدولي لها.
وتابع حديثه: "في حال لم يحصل تغيير جوهري في النظام السوري مدعم بمرحلة عدالة انتقالية وتأسيس لدستور جديد، فإن جزءاً مهماً من السوريين سيبقى في تركيا".
ويرى "جوراباتر" أن وعود ترحيل السوريين ساذجة وغير واقعية أبداً، إذ إن نسب عودة اللاجئين في العالم ضئيلة وذلك لعجز المجتمع الدولي عن "إحلال السلام أو إسقاط دكتاتور" في أماكن الصراع.
وأشار إلى أنه "حتى لو وصلوا (المعارضة التركية) إلى السلطة سيقولون لم نكن نعلم أن الموضوع في هذا التعقيد".
نصائح للسوريين
ينصح "جوراباتر" السوريين بالعمل بشكل قريب مع المجتمع المدني التركي، المناصر لحقوقهم وقضاياهم، لأهمية وجهة نظرهم كلاجئين، فقد لا يفهم الأتراك ما يحصل مع السوريين، حتى لو كانوا داعمين لهم.
وبالنسبة للدفاع عن حقوقهم فالأفضل أن يكون بالتعاون مع مؤسسات تركية تقف مع الحقوق الإنسانية، وبلهجة هادئة ورزينة بعيدة عن المهاترات ومبنية على الحقائق والأعراف.
كما شجع "جوراباتر" الشباب السوري على العمل مع المؤسسات البحثية والإعلامية للتأكد من نقلهم الصورة الصحيحة بما يخص الشأن السوري، إلى الرأي العام التركي.