- المصدر: all 4 syria
- 5095 قراءة
الباحث السوري حيان عليا الصالح يفوز بجائزة أفضل ورقة بحث على مستوى أوروبا
هذا هو ملخص للورقة البحثية الفائزة بجائزة أفضل بحث في مسابقة أبحاث الدكتوراه في مجال التمويل الصغير على مستوى أوروبا للعام ٢٠١٤. وقد تم تكريمي في شهر تشرين الثاني الماضي في مدينة “لوكسمبورغ” ضمن فعاليات الأسبوع الأوروبي للتمويل الصغير. يتم تنظيم هذه المسابقة سنوياً من قبل مشروع الجامعة تلاقي التمويل الصغير “University Meets Microfinance UMM” التابع للهيئة الأوروبية للتمويل الصغير “European Microfinance Platform e-MFP”. تمت كتابة هذه الورقة البحثية مع الدكتور آرفيند أشتا (Arvind Ashta) من المعهد العالي للتجارة في مدينة ديجون-فرنسا, والدكتور زاكا راتسيمالاهيلو (Zaka Ratsimalahelo) من جامعة فرانش-كونتيه في مدينة بيزنسون-فرنسا.
إن قلة الإثباتات العلمية وتضاربها بخصوص الأثر الإيجابي للتمويل الصغير على الفقراء هي أحد الأسباب الرئيسية لتزايد فقدان التمويل الصغير المصداقية. وبما أن التمويل الصغير يعتبر أحد الأدوات الرئيسية للتنمية, فإنه لمن المهم أن تجد بنوك التمويل الصغير طريقة لتبسيط عملية تقييم الأثر. كما أن دراسات تقييم الأثر تساعد على اكتشاف حاجات العملاء (الفقراء). هذه الحاجات التي تتسم بالتنوع, الخصوصية, و الاختلاف عن حاجات عملاء البنوك التقليدية. بكلمات أخرى, تعتبر هذه الدراسات أساسيّة في بحوث المستهلك في مجال التمويل الصغير. هذا الحقل من دراسات السوق أصبح ضرورة لبنوك التمويل الصغير لتمكينها من تصميم منتجات مالية معتمدة على حاجات العميل, الأمر الذي قد يمكن هذه المؤسسات من كسب مزايا تنافسيةٍ (من خلال عرضها لمنتجاتٍ أكثر مرونة) من دون الإضرار بالفقراء في الوقت نفسه.
في إطار أبحاث الدكتوراه التي أقوم بها حالياً كطالب دكتوراه في جامعة فرانش-كونتيه الفرنسية وبدعم من قسم التمويل الصغير في المعهد العالي للتجارة في مدينة ديجون (ESC-Dijon), قمنا بدراسة “نموذج المحفظة الاقتصادية العائلية (HEP)” وهو نموذج شامل لتقييم أثر التمويل الصغير صمِّم من قبل تشن و دن (Chen and Dunn) في العام ١٩٩٦. يتميّز هذا النموذج بأنه يتغلب على مشكلة “تبادلية” المال. تلك المشكلة التي يصعب التغلب عليها عادةً في دراسات تقييم الأثر بسبب كون المال سلعةً تبادليةً بطبيعتها, ما يعني أن تدفق المال يصعب تعقبه أو تخصيصه لغرض محددٍ أو لشخص محددٍ بعينه. لكن هذا النموذج بالمقابل ينتقد لكونه معقداً صعب التطبيق عملياً. للتغلب على هذه الناحية السلبية في النموذج, قمنا باقتراح تعديلات عليه و أتينا “بنموذج المحفظة الاقتصادية العائلية المعدل (M-HEP)”. اقترحنا استخدام هذا النموذج المعدل كنظام مبسط لتقييم الأثر بطريقة غير تجريبية (أي لا تعتمد على مقارنة العملاء بغير العملاء). يتضمن هذا النموذج المعدّل وحدات تقييم واضحة وأدوات قياس كفوءة. حيث اقترحنا مجرد استخدام تقارير شخصية يومية مبسطة عن انفاق المال والوقت من أجل تطبيق هذا النموذج عملياً. قمنا باختبار هذا المقترح عن طريق دراسة حالة في مدينة القاهرة حيث جمعنا يوميات مالية ويوميات عن استعمال الوقت (لمدة أسبوعين) من شخص فقير في شهر آب عام ٢٠١٣.
الحالة التي قمنا بدراستها تظهر الارتباط المؤكد بين المال والوقت. فبينما للوقت قيمة مالية بالنسبة للشخص الغني, بالنسبة للشخص الفقير الأمر يختلف. عند هذا الأخير, إذا لم يتوفر المال ولم تتوفر الفرصة لإنفاق الوقت في عمل مدر للدخل, فإنه قد ينفق الوقت على أعمال غير مدرة للدخل قد تعزز ثقتة بالنفس أمام الغير وتحافظ على راس ماله الفيزيائي (أي ممتلكاته) كأعمال التنظيف المنزلية على سبيل المثال (كما وجدنا في الحالة المدروسة). قد يقوم الشخص كذلك باستهلاك أصول فيزيائية (ممتلكات) رخيصة مثل التلفاز لأن انفاق الوقت بتكلفة مالية منخفضة مهمٌّ جداً بالنسبة إليه. كما تظهر الحالة المدروسة أيضاً أن حصصاً كبيرة من الوقت والمال تم إنفاقها على التسوق لشراء المواد الغذائية وعلى تحضير الطعام. هذا النوع من الإنفاق يساعد الشخص على صيانة رأس ماله البشري (الصحة والإمكانيات الذهنية والقوة الجسدية). أخيراً, فإن الشخص قد يقوم باستخدام رأس ماله البشري هذا للقيام بأعمالٍ لا يستطيع استئجار شخصٍ آخر للقيام بها عوضاً عنه كأعمال إصلاح المنزل مثلاً (وبالتالي يخفّض من إنفاق المال على مثل هذه الخدمات ويرمّم رأس ماله الفيزيائي في الوقت نفسه). إن رأس المال البشري هو طبعاً الأساس أيضاً للقيام بأعمالٍ مدرةٍ للدخل تغذي رأس ماله المادي (المال).
في المحصلة, كما يظهر الاختبار الذي قمنا به لطريقة اليوميات المشتركة (يوميات الوقت والمال), فإن اليوميات المشتركة هذه (خلافاً لليوميات المالية منفردةً والمستخدمة بكثرة مؤخراً في أبحاث المستهلك في التمويل الصغير) تمكِّن من رسم محفظة اقتصادية عائلية أكثر اكتمالاً للشخص الفقير موضوع الدراسة. والسبب هو أن هذه اليوميات المشتركة قادرة على تقديم بيانات عن طبيعة الأنشطة التي يتم عن طريقها إنفاق المال والوقت. وبالتالي يقدم تحليل بيانات اليوميات المشتركة معلوماتٍ غنية وعميقة عن آليات خلق القيمة الاقتصادية في التمويل الصغير الذي يؤثر مباشرة (عن طريق الإقراض) على راس المال المادي للعميل (المقترض). وبالتالي فإن معلومات كهذه قد تساعد على الإجابة على سؤال أساسي جداً في التمويل الصغير ألا وهو “هل يجب إقراض المال حصراً للفقير الذي يمتلك مشروعاً مدراً للدخل؟ أم أن استخدام المال لأغراض استهلاكية مفيدٌ أيضاً للمحفظة الاقتصادية للفقير (والذي يعيش ظروفاً خاصةً يصعب الحكم على تصرفاته الاقتصادية في إطارها)”.
إن النتائج المتوقعة من تطبيق “نموذج المحفظة الاقتصادية العائلية المعدل (M-HEP)” باستخدام اليوميات المشتركة قد يساعد الممارسين المحترفين في مجال التمويل الصغير على فهم الحياة الاقتصادية لعملائهم, الأمر الذي يلعب دوراً رئيسياً في تصميم منتجات مالية ترتكز تماماً على حاجات العميل. الفقراء كذلك يتوقع أن يستفيدوا من اليوميات المشتركة التي تجعلهم أكثر إدراكاً لتصرفاتهم الاقتصادية عندما يقومون بتسجيل معلومات يومية تخص هذه التصرفات (كما تؤكد أبحاث اليوميات في التمويل الصغير وفي حقولٍ بحثية أخرى). بالإضافة إلى ذلك, فإن المانحين والمستثمرين المسؤولين اجتماعياً قد تهمهم نتائج تطبيقات M-HEP لأنها تساعدهم في فهم وتقدير عملية خلق الأثر على الفقراء من خلال الإقراض.