- المصدر: اقتصاد مال و اعمال السوريين
- 8754 قراءة
بلدية باريس تضع صورته على مدخل اللوفر.. شيف سوري يعزف أوركسترا المذاق في فرنسا
كان الشيف السوري "محمد الخالدي" يمتلك مطعماً شهيراً في أحد أحياء دمشق والعديد من المشاريع الاقتصادية الناجحة إلا أن كل ذلك تبدد وانقلبت حياته رأساً على عقب بعد اندلاع الحرب في سوريا. إذ اضطر لمغادرة سوريا في رحلة ماراثونية جال فيها العالم ليس كسائح ولكن كلاجىء أجبرته الظروف على الرحيل المرّ، قبل أن يحط الرحال في باريس ليبدأ رحلة نجاح جديدة أوصلته إلى مصاف مشاهير الطهاة في أوروبا والعالم، مما دفع بلدية باريس إلى وضع صورته أمام مدخل متحف اللوفر كمثال على قدرة اللاجئين على التكيف والاندماج والعطاء غير المحدود.
ولد الخالدي في دمشق عام 1980 وسط أسرة كبيرة تحب بعضها البعض واعتادت كما يروي لـ"اقتصاد" الجلوس على مائدة الطعام بشكل جماعي مما ولّد في داخله انطباعاً بأن الأكل فرحة واجتماع ومحبة ومودة وتبادل للأحاديث.
وكعادة الأسر الدمشقية في دفع أبنائها لتعلم مهنة في الصغر اتجه الخالدي في طفولته للعمل في العديد من المهن، حيث عمل نجاراً وكهربائياً ورتا سجاد إلى أن بدأ الإهتمام بعالم الطبخ، ولم يكن قد تجاوز السادسة عشرة من عمره، ولم يأت هذا الاهتمام من فراغ -حسب قوله- فلطالما كان يدخل إلى مطبخ المنزل ليساعد والدته في إعداد الوجبات، وكان-كما يقول- يتابع برامج الطبخ في الفضائيات، وينبهر بعمل الشيف الذي كان بالنسبة له بمثابة قائد أركسترا يبدع في سيمفونيته ليوصل مذاقه للآخرين.
بعد انهاء دراسته في كلية السياحة والفنادق بدمشق واكتساب خبرة في جودة المطاعم بدأ الخالدي بالتوجه فعلياً لهذا الميدان، وفي العام 2004 أطلق أول مشروع باسم "أورانج بار" وافتتح مطعماً في دمشق، كما أصبح استشارياً في العديد من مطاعم دمشق الشهيرة، وساهمت طفرة المولات في سوريا في فتح المجال واسعاً أمامه للعمل كخبير جودة في بعضها، ومنها مول "شمس سنتر" في كفر سوسة و"دماسكي مول "و"شهباء مول" في حلب وفي حمص، كما عمل في "أبو ظبي" و"لبنان" و"الأردن".
مع اندلاع الثورة السورية عام 2011 بات الخالدي مطلوباً لمخابرات النظام كغيره من آلاف الشبان فهرب مع عائلته إلى لبنان، ولم يرقْ له العيش والعمل هناك فسافر إلى مصر بمفرده على أمل أن تنضم له عائلته لاحقاً. وبقي فيها لسنتين ونصف افتتح خلالها أول مطعم في شارع "محمد محمود"، وخلال هذه الفترة كان الشيف الشاب يظهر في برامج الطبخ على قنوات cbc وقرر بعدها الهجرة إلى أوروبا بحراً، حيث أمضى 12 يوماً في قارب مطاطي في رحلة كانت محفوفة بالموت والمخاطر الويلات إلى أن وصل إلى ايطاليا ومن هناك يمّم شطر عدد من الدول الاوروبية قبل أن يصل إلى الدانمارك التي بقي فيها سنة، وتم رفض طلب لجوئه الخاص به فعاد في رحلة عكسية إلى أن وصل إلى باريس حيث بدأت مرحلة جديدة من حياته العملية والمهنية.
بعد أيام من مكوثه في العاصمة الفرنسية بدأ الخالدي-كما يقول-في التجوال ومحاولة التعرف على المطاعم العربية هناك، وأغلبها لبناني مع بعض المطاعم السورية، وصُدم–حسب قوله- بالأكل الذي يُقدم فيها، فآل على نفسه تغيير نظرة الفرنسيين إلى المطبخ السوري، وبدأ بتدريب بعض الفرنسيين في الأوتيلات على الطبخ مقابل تعليمه اللغة إلى أن حصل على أوراق الإقامة بتاريخ 15/ 3/ 2016 فتحوّل بعدها إلى ما يشبه الفرس الجامحة التي أُطلق لها العنان-حسب تعبيره-.
بعد أسابيع قليلة التحق الخالدي بمشروع بعنوان "الطباخون المهاجرون" الذي أطلقه الفرنسيان "لويس" و"ستيفان جاكو"، وتم تجهيز أول ستاند أكل على نهر السين في مطعم كان عبارة عن مركب، مما أتاح للفرنسيين والجنسيات الأخرى فرصة التعرف على الأكل السوري، ومن خلال هذا المشروع تعرف محدثنا-كما يقول-على شاب وفتاة فرنسيين وهما "لويس" و"مارين" اللذين كان لديهما مشروع لتصوير الطعام عبر العالم وأصدرا كتاباً بهذا الخصوص، واقترح عليهما إقامة مهرجان طبخ اللاجئين يهدف لدمج الثقافات مع بعضها البعض، وفعلاً أطلق الثلاثة مهرجاناً سنوياً يُقام في الشهر السادس من كل عام لعرض نماذج من ثقافات الشعوب في الطعام، وبدأ المشروع من باريس لينتقل لاحقاً إلى العديد من دول العالم.
إضافة إلى ذلك شارك الشيف القادم من دمشق بالطبخ إلى جانب طباخين عالميين مشهورين، مدفوعاً برغبة أن يكون سفيراً للأكل السوري بطريقة احترافية، وعمل-كما يؤكد- مع كبار الطهاة في فرنسا والعالم ومنهم "ميشال ترواغرو" الحاصل على ثلاثة نجوم من ميشلان؛ ويُعد مطعمه واحداً من أفضل ثلاثة مطاعم في العالم، و"برتنارد ريب" الذي يحتل مطعمه الفرنسي المركز 35 من بين المطاعم الأفضل في العالم. و"ستيفان جاكو"عميد الطهاة المحترفين. و"أوليفيه غولونجيه" الحاصل على ثلاثة نجوم من ميشلان.
وإزاء هذا النجاح العالمي اللافت للخالدي ارتأت بلدية باريس وضع صورته على مدخل متحف اللوفر وفي ساحة "الريبابليك" تكريماً لجهوده المبذولة ولكونه أسرع لاجىء يندمج في المجتمع الفرنسي ويحقق طفرة في دمج الثقافات ضمن حملة لإظهار أن اللاجئين ليسوا عالة على المجتمعات المضيفة بل قد يكونوا قادة ومنتجين فاعلين فيها.